إن تغول وتعاظم أنانية المصالح من أخطر الأمراض الاجتماعية والأخلاقية التي تهدد تماسك المجتمعات ، وتنسف قيم العدالة والنزاهة والانتماء
وهذا الداء الخطير هو حالة سلوكية تنتشر عندما تغلب المصلحة الشخصية الضيقة على مصلحة الجماعة والمجتمع ، وتستخدم وسائل غير قانونية وغير أخلاقية ، وتتعارض مع القيم والمبادئ الإنسانية لتحقيق المكاسب حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بالأخرين أو إلى تدمير المؤسسات ،
وهذا ما يحدث فعليًا ، ومن مظاهر داء المصالح تضارب المصالح عندما تكون للفرد مصلحة مادية أو معنوية تتضارب مع الواجب المهني أو الوطني ، وكذلك بيع الضمير والتخلي عن القيم والمبادئ مقابل جني المال أو النفوذ أو الحصول على تميز طبقي مجتمعي ، والغش والتزوير والتدليس لتحقيق المكاسب ، والفساد الإداري والمالي باستغلال المنصب أو السلطة لخدمة الذات أو المحيط الخاص ، تفكيك العلاقات الاجتماعية حتى داخل الأسرة
حين يتم تقديم المصلحة الشخصية على حساب الترابط والألفة والمحبة والمسؤولية ، والتي تصل الى حد العقوق والقطيعة والتناحر وإلى ما هو أسواء من ذلك ، ومن الآثار المدمرة لداء المصالح هي انهيار القيم المجتمعية والعدالة والانتماء والإخلاص والأمانة والصدق ، وضياع الكفاءات والذي يتضح جليًا في التوظيف والترقيات والامتيازات بالمحسوبية والواسطة وليس بالقدرات والجدارة والخبرة والتأهيل ، ويتنامى الإقصاء والإحباط لدى أصحاب الكفاءة والضمير الحي والنزاهة ،
وداء المصالح يؤدي لفقدان الثقة في الدولة وفي المؤسسات وفي العدالة ، ويتفشى الفساد ويعم ويصبح ثقافة وأسلوب حياة ، ومن أسباب هذا الداء اللعين.
– ضعف التربية القيمية والأخلاقية
– غياب الرقابة والمساءلة القانونية
– التفاوت الاجتماعي والاقتصادي وأتساع الفجوة بين الطبقات
– الإعلام المنحاز للمظاهر والنجاح المادي مهما كانت اسبابه وظروفه ومصادره
– ثقافة الغاية تبرر الوسيلة
– وإن طاح بيت أمك خد منه عمود
ولمكافحة هذا الداء المدمر والأنانية القاتلة يتوجب تعزيز الضمير الأخلاقي والتربية الدينية الصادقة ، وتنمية الحس بالمسؤولية الجماعية ، ووضع آليات صارمة لكشف تضارب المصالح والمحاسبة الفورية وتطبيق أشد العقوبات ، وضرورة تعزيز الشفافية في التوظيف والتعيينات والصفقات والمناقصات ،
ومن الأهمية القصوى تحصين المؤسسات من التسييس والجهوية ، وضرورة إعادة بناء خطاب أخلاقي ومجتمعي يعلي من شأن الانتماء والإخلاص والحق والصدق والأمانة ، وابراز نماذج النزاهة والتضحية ، والحد من ابراز النماذج السيئة ( المال والسلطة والنفوذ والتميز الطبقي ) …
إن داء المصالح عندما يستشري يحول المجتمعات إلى غابة متوحشة تفتقد للإنسانية ، ويصبح فيها القانون أداة شكلية ، والعدالة مجرد حلم جميل مؤجل إلى ما لا نهاية ، وصحة وحياة الناس في خطر .
ولهذا مكافحة هذا المرض الاجتماعي الخطير ضرورة وجودية ، لضمان استقرار المجتمع ، وللحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه ، وضمان العدالة الاجتماعية …
داء المصالح مرض خطير
د.علي المبروك أبوقرين