بإختصار
د. علي عاشور
لن تجد عاقلاً يناقشك في أن التلفاز هو أحد أهم وأبرز الوسائل الإعلامية الناقلة للمعلومات، والصناعة للرأي العام والمؤثرة فيه، لذا، فإن ستخدم هذه الوسيلة أساليب متعددة ومتنوعة لتؤثر في جماهيرها التي تنتمي إلى أعمار وأجناس وحتى ثقافات مختلفة.
وبالتالي نلاحظ أن القنوات التلفزيونية تستخدم طرقاً وأساليب متعددة لإيصال رسائلها بطريقة تؤثر في مشاهديها، فتستضيف في برامجها بعض الشخصيات التي يفترض أن يكونوا على دراية بموضوع الحلقة أو قضية المطروحة، وينتظر من هؤلاء الضيوف تقديم رؤى عميقة ومستنيرة حولها بما يسهم في إثراء النقاشات، ويزيد من فهم الجمهور للأبعاد المختلفة للقضية، ويثري عقل المشاهدين، ويحفز التفكير النقدي لديهم.
ولكن، هل جميع قنواتنا الليبية تجيد اختيار ضيوف برامجها؟ هل كل البرامج تختار ضيوفاً يتمتعون بالمعرفة العميقة والخبرة الواسعة؟ أم أنها تمنحهم مصطلح خبير أو مستشار دون أن تتأكد من أنهم أهل لذلك؟
الألقاب والصفات المزيفة في بعض وسائل الإعلام الليبية أصبحت ظاهرة تثير القلق والاشمئزاز معاً، فكيف يمكن إطلاق لقب خبير على شخص لم يتجاوز عمره الأربعين عاماً؟ ألا يستوجب هذا اللقب أن يكون حامله على درجة عالية من المعرفة والمهارة في مجال معين؟ أليس الخبير هو ذاك الشخص القادر على تحليل وتفسير المعلومات والبيانات بشكل علمي ومنطقي؟، أليس مصطلح الخبير مشتقاً لغوياً من الخبرة المبنية على الدراسة الأكاديمية الدقيقة والعميقة، أو الخبرة العملية الممتدة، أو كليهما؟.
يبدو أن بعض قنواتنا التلفزيونية الليبية تمنح ضيوفها لقب خبير أو مستشار بمجرد ظهورهم على شاشتها، وهي بفعلها ذاك تقوم بتضليل الرأي العام بشكل مقصود أو غير مقصود، خاصة وهي تقدم لجمهورها ضيوفاً بتلك الألقاب الكبيرة وهم في الحقيقة لا يمتلكون الخبرة أو المؤهلات اللازمة لنيلهم تلك الألقاب، الأمر الذي قد يؤدي إلى نشر معلومات غير صحيحة أو غير دقيقة، حيث تُعزز الألقاب مصداقية حامليها لدى الجمهور، مما يجعل تصحيح المعلومات أو التشكيك فيها أمراً غاية في الصعوبة.
لهذا فإن الكثير من التساؤلات تثار حول معايير اختيار هؤلاء الضيوف الذين يطلون علينا عبر الشاشات التلفزيونية بألقاب وصفات مثل خبير أو مستشار، بينما نجد أن أغلبهم لم يقدموا شيئاً، ولا حتى أعمارهم تساعدهم على نيل مثل هذه الألقاب أو تحقيق جزءً مما تعنيه.
السكوت على مثل هؤلاء هو ما جعل بعضهم يطلق على نفسه ألقاباً ونعوتاً مبالغاً فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد من يقدم نفسه كخبير اقتصادي، رغم أنه لم يكمل بعد دراسة الماجستير، وأخر يقدم لقب المستشار الإعلامي على اسمه، رغم أنه لا يستطيع كتابة خبر صحيح في صفحته، وثالث يقدم نفسه على أنه أديب ليبي، لمجرد أنه نشر عدد من القصائد والمقالات في بعض الصحف والمجالات،… وهؤلاء جميعاً أبعد ما يكونوا على ما يدّعُون، فما أبعد مكة على بوهجار.
لذا على وسائل الإعلام عامة والقنوات الفضائية على وجه الخصوص التحقق من مؤهلات الأشخاص الذين تستضيفهم في برامجها، والتأكد من أنهم يمتلكون الخبرة الفعلية التي يدعونها، وأن تعتمد معايير مهنية جادة عند اختيار ضيوفها تعزيزاً لمبادئ الشفافية والمصداقية.