د. علي عاشور
لم يعد الدولار عملة صعبة فحسب عند أغلب الليبيين، بل صار ضرة في كل بيت، يتدخل في كل نقاش أسري، ويفسد اللحظة حتى لو كانت عن الود أو أسماء المواليد.
الدولار مرتفع، والزوجة تطلب، والزوج يتنفس كأنه يشتم رائحة الأسعار لا هواء الوطن الجريح.
نبوا نشروا ملابس الصيف…. الدولار مرتفع يا بنت الناس.
الصغار يبوا ألعاب … الدولار لاعب فينا عشرة.
شنو رأيك نصيفوا في تونس؟ …. الدولار صيف بينا بكري.
هكذا صار الدولار طرفاً في كل حديث، وسبباً جاهزاً لكل شجار ونكد، وحتى إن نزل قليلاً، فذلك لا يترجم في السوق إلا بزيادة في سعر البطاطا، لأن التاجر سمع إن الدولار نزل فخاف يخسر، فزاد.
في السابق كانت مشاكل الأسرة تُحل بـطاسة شاهي… وجلسة عقل. أما اليوم، فالمشاكل تحتاج لجنة أزمة، ومترجم اقتصادي، ومحلل نفسي، وحفنة دولارات… لتجاوز خصام على وجبة عشاء.
وها هو الصيف مقبل حاملاً معه الأعراس المؤجلة من الشتاء، فمصاريف الأعراس في عهد ارتفاع الدولار قصة أخرى… في السابق كان الشاب يخطب، ويقول: ما عنديش إمكانيات، فتحن له القلوب وترق له الأكباد، أما اليوم، يقولها، فيتهم بأنه لا يحب، أو أنه (ولد السوق السودا) كأن الحب صار يقاس بعدد الأوراق الخضراء، لا بدقات القلب.
الفضانية وحدها تحتاج قرضاً مصرفياً، بشرط أن تكون العروس متفهمة، وقائمة الطلبات أقل من ميزانية وزارة الصحة، لأن المجتمع لا يرحم، لا يسأل عن الشاب بقدر السؤال عن ماذا لديه؟ وماذا قدم لمخطوبته؟
أما إذا شاء الله وحملت زوجتك، فهنيئاً لك بداية الرحلة الطويلة مع الدولار، حيث يتحول الحلم بالأبوة إلى مشروع استثماري محفوف بالمخاطر، تبدأ الحكاية من زيارة المصحة الخاصة، لأن المستشفيات العامة أغلب أجهزة التصوير فيها لا تعمل، والممرضة تقيس الضغط بإحساسها، وتحدد جنس الجنين على حسب مزاجها.
تم تبدأ رحلة المكملات الغذائية للأم، والمقويات…. فوليك أسيد، فيتامين د، أوميغا 3…. وغيرها، وكأننا نعد الجنين لا للحياة، بل لأولمبياد طبية، وكل شيء صار مرتبط بسعر الدولار.
وقبل أن يولد الطفل، تكون قد استهلكت من ميزانيتك ما يكفي لشراء سيارة مستعملة من سوق وادي الربيع، كل هذا والطفل لم يولد بعد، فقط الجنين يتقلب في بطن أمه بينما الدولار يتقلب في أعصاب الأب.
الدولار لن يرفع فقط الأسعار، بل سيرفع ضغط الدم، وسيرفع نسب حالات الطلاق، وسيساهم في رفع صوت الزوجة في النقاش، وسيرفع يد الزوج على رأسه حيرة.
باختصار، في ليبيا الدولار لا ينام، ولا يريد لأحد أن ينام، ويبدو أن الطلاق في بعض البيوت أرخص من الصلح، فقط لأن الصلح يتطلب عشاء، والعشاء يتطلب وليمة، وما سيقدم في الوليمة مرتبط بالدولار… عملة الكفار، وسيد الأسعار، وفتنة التجار.