باختصار
لقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في إنتاج وانتشار مصطلحات ومفاهيم خاصة بها، لم تكن لتحظى بالانتشار لولا تلك المنصات، فأصبحنا نسمع بمصطلحات مثل: صانع المحتوى، والمؤثر، والمدون… وغيرها من المفاهيم التي باتت تحتل مكانة بارزة في عالم الإعلام الإلكتروني، إلا أن من هذه المصطلحات ما يعاني من تشويه كبير بفعل البعض الذين يختزلون المحتوى في مضامين سطحية تافهة لا تمت للمجتمع الليبي وقيمه بصلة.
هؤلاء الذين يستخدمون شبكة المعلومات الدولية لنشر كل شيء ، دون أي مراعاة للقيم المجتمعية والأخلاق والذوق العام في البلاد، بل إن منهم من يسافرون إلى دول أخرى، يوثوقون رحلاتهم بشكل مفصل، ويظهرون على أنهم رواد تسويق للمطاعم أوالمحلات، لكن الحقيقة هي أن مضامينهم تفتقر إلى العمق أو الرسالة، بل الأنكى من ذلك أنهم جعلوا من هذه الأنشطة منصات للصراعات الشخصية على تلكم المواقع، حيث يتنافسون في إثارة الجدل والتفاهة لتحقيق أكبر قدر من المشاهدات والتفاعل.
أما ما يثير الحزن أكثر فهو ظهور بعض الفتيات على منصات التواصل، متجاهلات تماماً قيم الحشمة والذوق العام، متجاوزات الحدود الاجتماعية والأخلاقية التي نشأنا نحن الليبيون عليها.
تلك الفتيات يبررن أفعالهن بأنها حرية شخصية، إلا أن الحقيقة هي جرأة على تعاليم ديننا، وتمرد على تقاليدنا وعاداتنا دون أي احترام للهوية الثقافية والدينية، بل إن منهم من يقوم بتفسير الأمثال الشعبية الليبية ويختلق روايات من نسج خياله على أنها قصة لهذا المثل الشعبي، في عملية تزوير واضحة ومقننة لمعاني وتاريخ تلك الأمثال.
كما أن هذا النوع من “صناعة المحتوى” لا يراعي أي أهداف نبيلة أو قيم سامية، لا اهتمام لديهم بالتأثير الإيجابي أو توعية الجمهور، فهمهم الوحيد هو الضحك والتهكم على كل شيء، بسبب وبدون سبب، وكأن السخرية والتفاهة أصبحت معيار النجاح والتميز، وكأن الفيلسوف الكندي(آلان دونو) صاحب كتاب “نظام التفاهة” يتحدث عن أغلب ما يسمون أنفسهم بصناع المحتوى في ليبيا.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكننا أن ننكر وجود قلة من صناع المحتوى الهادف من الليبيين الذين يعملون بصدق على تقديم محتوى يضيف قيمة للمجتمع من خلال تسليط الضوء على الموضوعات والقضايا المهمة، ونشر المعرفة، وتعزيز الوعي، وبناء جسور التواصل الثقافي والإنساني، بل ويجسدون صورة ليبيا أمام كل من يشاهدهم من غير الليبيين، هؤلاء يعكسون ما يمكن أن تكون عليه هذه الصناعة، لو وضعت في أيدي من يؤمنون بالرسالة والأثر الإيجابي
ولكن يبقى السؤال: إلى متى سنسمح لهذا التيار السطحي أن ينشر وينتشر؟ وكيف يمكن أن نعيد تشكيل الوعي الجمعي لينبد هذا النوع من المحتوى، ويطالب بغيره يحمل قيماً وأهدافاً تعكس حقيقة مجتمعنا الليبي المحافظ؟.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة، تبدأ من الأسر وتنتهي بالمؤسسات الإعلامية، لإعادة ضبط بوصلة القيم والمبادئ التي باتت تائهة في هذا العصر الرقمي، ولعل مشروع منصة (هادف) لدعم صناع المحتوى الهادف، الذي أطلقه صندوق دعم الإعلاميين، يشكل إحدى الركائز الأساسية لمجابهة المد المتزايد لرعاة التفاهة.
صناعة المحتوى ليست مجرد أداة للظهور وللشهرة أو للتسويق، بل هي رسالة ومسؤولية، وعلى المؤثرين الهادفين أن يدركوا أنهم قدوة لجيل كامل، فإن غاب الهدف والقيم عن المحتوى، فما يبقى منه سوى ضجيج فارغ لا طائل منه.