باختصار
تعتبر البطاقات المهنية-أياً كانت المؤسسة التي تصدرها- أداة مهمة لتنظيم العمل وتحديد هوية العاملين فيها، فهي ليست أداة للتعريف بحاملها فحسب، بل تمثل ضمانًا لحقوقه آيضاً، وتعكس التزامه بمعايير المهنة وأخلاقياتها.
لهذا فإن البطاقة الصحفية هي احدى الخطوات التنظيمية للمنتميين لهذه المهنة، لاسيما وأنها تتيح للصحفيين ممارسة عملهم بسهولة، وتحميهم من التعديات والمضايقات، وتعزز الثقة بينهم وبين أفراد المجتمع.
من هذه الأهداف، أعلن صندوق دعم الإعلاميين عن إصدار “بطاقة صحفي” لكافة الإعلاميين العاملين في المؤسسات الإعلامية، وكذلك المستقلين، والمراسلين الأجانب، والليبيين داخل ليبيا، في خطوة تهدف إلى تنظيم أصحاب المهنة ودعهم.
ولكن رغم أهمية هذه المبادرة، التي تعد محاولة جادة لملء الفراغ التنظيمي في قطاع الإعلام الليبي، إلا أنها واجهت عدة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تخل من السخرية والاستهزاء.
هذه الانتقادات، التي تأتي في أغلبها دون مضمون أو طرح جاد، تبدو وكأنها موجهة فقط للتقليل من أي مبادرة تسعى للإصلاح والتنظيم، فبدلًاً من طرح أسئلة مشروعة أو تقديم مقترحات بديلة، اتخذ المنتقدون مسار التهكم السطحي، وكأن فكرة تنظيم الإعلاميين في ليبيا أصبحت مادة للسخرية، وهذا يعكس أزمة أعمق تتعلق بعدم تقبل البعض لأي جهد تنظيمي أو إصلاحي بغض النظر عن أهميته.
إن غياب نقابة للإعلاميين في ليبيا جعل هذه الشريحة عرضة للتهميش والعشوائية، ومن الطبيعي أن تسعى أي مؤسسة معنية بالإعلام، كصندوق دعم الإعلاميين، إلى سد هذا الفراغ عبر مبادرات مثل إصدار بطاقة الصحفي، فهذه البطاقة ليست مجرد ورقة تحمل اسمًا وصورة، بل هي أداة لتنظيم المهنة، وحماية حقوق الإعلاميين، وتعزيز مكانتهم أمام المؤسسات والمجتمع.
الغريب في الأمر أن أغلب ممن انتقدوا هذه الخطوة هم أنفسهم من يشتكون الفوضى التي تعيشها المهنة، ومن تدخل الغرباء فيها، ومن غياب كيان يدافع عنهم ويحمي مصالحهم، ، ورغم ذلك اختاروا السخرية للتعبير عن معارضتهم لهذه الفكرة، بدلاً من تقديم دعمهم أو حتى اقتراح تحسينات على هذه المبادرة التي اقترحها عدد غير قليل من الصحفيين أنفسهم ذات مناسبة، هذا النوع من النقد الهدام لا يخدم سوى إبقاء الوضع على ما هو عليه “حالة من الفوضى تضر بالجميع”.
إن النقد الحقيقي يجب أن يكون بناءً وهادفاً، لا مجرد وسيلة للتشكيك في النيات والتهكم على الجهود والمحاولات، وإذا كان لدى المنتقدين أفكار أفضل لتنظيم الإعلام أو حماية حقوق العاملين فيه، فباب الصندوق مشرع أمامهم، فليتفضلوا بطرحها للنقاش بدلاً من الانخراط في موجات من النقد الذي يخلو من المضمون.
فالمسؤولية الوطنية والمهنية تقتضي منا جميعًا دعم أي جهد يسعى لتنظيم القطاع الإعلامي، لاسيما في ظل الظروف التي يمر بها هذا القطاع.
بطاقة الصحفي ليست خطوة عبثية وعشوائية، بل هي جزء من الحلول العملية لمشاكل أصحاب المهنة في غياب نقابة تعنى بشؤون وهموم الإعلاميين، هذه الخطوة تستحق التشجيع والتحسين، لا السخرية والتهكم، فالإعلام المنظم والقوي لا يبنى بالنقد الخاوي، بل بالتكاتف والجدية في طرح الحلول، والصندوق ماضٍ في جهوده لدعم الإعلاميين، وهذه المبادرة ليست سوى بداية نحو بناء قطاع إعلامي أكثر احترافية وتنظيمًا.