منصة الصباح
الكاتبة والناقدة د.صباح أبو شاقور لمنصة الصباح...العزلة وسادة من حرير أزرق كشفت لي ذاتي المحرومة...!

الكاتبة والناقدة د.صباح أبو شاقور لمنصة الصباح…العزلة وسادة من حرير أزرق كشفت لي ذاتي المحرومة…!

حوار /حنان علي كابو

بين العزلة والصمت السردي، والكتابة كمساحة للبوح، تتجلى تجربة د. صباح أبوشاقور، الروائية والناقدة، التي تحوّل كل شعور أو همسة داخلية إلى نص ينبض بالحياة. صاحبة رواية «شيء ما أفتقده» وكتاب «دفاتر نقدية في الأدب الليبي المعاصر»، ودراسة البُنى السردية في قصص زياد علي، تكشف في هذا الحوار عن رؤيتها للكتابة، للنقد الأدبي الليبي، ولرحلتها الإبداعية المستمرة، كما تروي تجربتها مع الصمت والعزلة والإلهام الذي يقودها نحو أعمال جديدة.

العزلة كوسادة من حرير أزرق

_روايتك الجديدة” شيء ما أفتقده: احتفت بالعزلة كملاذ للكتابة، ما الذي جعلك تختارين هذا الموضوع تحديدًا؟

في التخلي تجل. لم أجد مأوى بشري. طعنات توماس تقترب كل يوم شيئا فشيئا، لدى اخترت العنوان” شيء ما أفتقده:؛لأن العزلة كانت بمثابة وسادة من حرير أزرق كشفت لي ذاتي المحرومة من ذاتي. القاضي الذي منحني حق الحوار الكتابة الهوية…

النقد الأدبي والمشهد الليبي

_في كتابك دفاتر نقدية في الأدب الليبي المعاصر، ما أهم القضايا التي حاولت إبرازها في المشهد الأدبي الليبي؟

لقد وقع الاختيار على نماذج أدبية للأجيال مختلفة من المبدعين الليبيين للوقوف على كيفية قراءة النص أيديولوجيا. ولا شك أن الكاتب الليبي استطاع أن يقدم بانوراما لإنسان بقضاياه المتعددة: الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والنفسية. بما في ذلك قضية الهوية والانتماء، وقد كان لتجربته الأدبية الدور الفعال في بلورة تلك القضايا المستقلة من الينابيع الأصيلة للتراث الليبي والعربي والغربي.

د.زياد علي وتجريب البُنى السردية

_ ما الذي جذبك في تجربة د. زياد علي لتخصيص دراسة عنه بعنوان البُنى السردية في قصص زياد علي؟

بما أن البنى السردية محور الممارسة الإبداعية في الأدب القصصي. وبوصفها تفعيل العناصر البانية للنص التي تستدعيه دراسته. ذلك أن النص السردي قصة أو رواية ينشأ من الشخصيات واللغة والزمن والمكان. ولكن طرق توظيفها يتم على نحو مغاير من نص إلى آخر.. انطلاقا من هذا التصور وقع اختياري على دراسة النتاجات القصصية للقاص زياد علي باعتبار أعماله تمتاز بسمة أدبية تجلت في الوعي التجريبي، والطرح التاريخي والرمزي والمناقب الصوفية، لذا خضعت مجموعاته القصصية لأكسدة فدمج التراث بالمعاصرة، بالإضافة إلى توظيفه لعناصر البنى السردية.

النقد الأدبي الليبي بين الحضور والغياب

_كيف تنظرين إلى النقد الأدبي الليبي اليوم هل يواكب الإنتاج الإبداعي أم ما زال متأخرًا؟

إن الإجابة تعنى بحثا ف التركيبة العقلية والاجتماعية الليبية، وهو بحث مضنٍ لما يعتريه من مصاعب تمثلها العقلية والتركيبة ذاتها.. ويبدو أن المشهد النقدي الليبي الحديث حاضرا وغائبا في آن. ربما لوقوعه في منطقة مربكة بين القارئ والكاتب، وأستطيع أن أبرئ نفسي وأقول: إن جل الدراسات النقدية تتمركز حول كتابات إبداعية قديمة، وأن معظم الكتاب المعاصرين لم ينالوا حظهم من الدرس والتحليل.

بدايات الكتابة وتشكيل الهوية

_ما الذي دفعكِ إلى دخول عالم الكتابة منذ البداية؟

الكتابة لا تشكل بالنسبة لي دافعا، بل هي الركن الشديد الذي أوي إليه، والوجبة الشهية التي ألتهمها دون الشعور بالشبع، هي المرآة التي أرى فيها تفاصيل التفاصيل بوضوح ودون ترجي. هي مضجعي حين أتقلب ذات اليمين وذات الشمال.

_إلى أي مدى أسهمت البيئة الثقافية في ليبيا في تشكيل صوتك الأدبي؟

بصراحة البيئة الثقافة في ليبيا لم تكن لها أسهامات تذكر اللهم بعض المؤتمرات التي تعقد في فترات متقطعة، وأما كتاباتي الإبداعية فإنها لم تحض من البيئة الثقافية بأي احتفاء يذكر فيشكر. سواء في المرئي أو المسموع.، فقط أنا الآن مع منصة الصباح أشعر بقيمة ما كتبت وأرغب في صعود العلياء.

المشاريع الإبداعية المقبلة

_ ما المشروع الأدبي الذي تعملين عليه الآن بعد” شيء ما أفتقده”؟

منهمكة في كتابة عمل روائي ثالث وهو على وشك الانتهاء.

الصمت السردي والشخصيات

_ في فضاء الكتابة، أي نوع من “الصمت” تحاولين الإمساك به بين الكلمات؟

الصمت السردي هو العكاز الذي يمنحني اختزال الكثر والكثير من المواقف والأحداث.

_كيف تتعاملين مع “الصمت الداخلي” للشخصيات، وهل تمنحينها صوتك الخاص أحيانًا؟

أطلق العنان للشخصيات كي تعبر عما يجول في دواخلها، سواء بالحوار المباشر أو بالمونولوج، وأحيانا أمنحها صوتي لإضفاء طابع شخصي على النص، وكما يقول بارت” إن ذاك الصوت يكون شاهدا” فلا رواية بدون سأرد وهو ما يجعل الحدث روائيا والشخصيات الورقية شخصيات من لحم ودم، إنه نافخ الروح في الوهم؛ ليصبح حياة كاملة بين دفتي كتاب.

العزلة كفضاء للإبداع

_ في روايتك الأخيرة “شيء ما أفتقده”، تحتفين بالعزلة كملاذ للبوح. كيف تصفين شعورك حين تتحول العزلة إلى مساحة للإبداع؟

ليست كل المقاعد مريحة، فعلى مقعد العزلة كان الاسترخاء، أريكة منحتني النضج وألهمتني فسحة من الإبداع، سيل لا ينقطع من السياقات الساخنة والدافئة التي أخترقت الأنامل وجعلها تبوح بالكائن والممكن.

_ هل شعرتِ يومًا أن شخصياتك أو رواياتك تتحدث إليك قبل أن تكتبيها؟ وكيف تتعاملين مع هذه “الهمسات الداخلية”؟

كل شاردة وواردة في الحياة تحدثني برواية متكاملة. بشخصياتها وأفضيتها، بل كل موقف وكل حادثة هي بالنسبة لي ناقوس يهمس في أذني أن حيا على الكتابة أن حيا على الكتابة، كفص البصل ما انتهي من عمل روائي حتى تستهويني فكرة آخرى لعمل روائي آخر، أخبزها كالعجين كلما فار التنور.

كنت أتعامل مع تلك الهمسات بنشوة وفرح وكأني مدعوة إلى وجبة شهية متكاملة. دون كلل أمسك بالقلم والورق أسجل حرفيا كل التفاصيل. حينها أشعر أني راضيتها وراضتني.

الكتابة كفعل حرية وتمرد

_ تقولين إن الكتابة تمثل أرضًا للحرية بلا حدود. ما أكثر لحظة شعرتِ فيها بأن الكتابة كانت فعل تمرد على الزمن أو الواقع؟

العمل الروائي الأول( تحت خيمة الرماد) كانت أول قفزة في أفق بلا حدود، ففي كل لحظة كتابة كنت أشعر بالحرية، كنت أغرد وأحلق مثل عصفور قد خرج للتو من قفصه، وأجمل اللحظات تلك التي شكلت سربا لأعمال أخرى، كطائر يضرب الهواء بجناحيه؛ ليولّد طاقة تمكنه من التحليق على متن الحبر والورق.

بين الواقع والخيال

_كيف توازنين بين ما هو واقعي وما هو خيالي في نصوصك؟ وهل هناك حدود لا تتجاوزينها أم أن كل شيء مسموح في فضاء الكتابة؟

القلم الكاتب لا يمتلئ من مداد فارغ، بل من واقع معيش، أما ملكة الخيال فهي التي تمنح الوقائع والشخصيات أبعادا مختلفة، وتعبر عن الوجه الآخر للحياة؛ باعتبارها حركة تخيلية داخل حركة واقعية، هي مادة أساسية موازية بشكل أو بآخر، بحيث لا يطغى أحدهما عن الآخر.

نعم هناك حدود لا يمكن تجاوزها في الكتابة، بالنسبة لي هناك خطوط حمراء أقف حول ضفافها كالعادات والتقاليد والعرف والقيم.

_هل هناك رموز أخرى اختبأت داخل الرواية تحمل معاني خاصة لكِ؟

أكيد هناك رموز تحمل في طياتها العديد والعديد من الأقنعة والدهاليز، وربما كان للصور الإشهارية والأليغوريا مضمامين هي للبراكين أقرب – إن صح التعبير – ما إن أقتربت منها عين القارئ اللبيب انفجرت بنصوص ومعاني كثيرة.

الكتابة كمساءلة للذات والوجود

_إلى أي حد تشعرين أن الكتابة وسيلة لمساءلة الذات واستكشاف الزمن وفواجع الحياة؟

إلى حد المنتهى، فأنا لا أحادث ولا أحاور سوى الحبر والورق، أشعر بمتعة التحدي والاشتهاء، أركب السفين وأرفع شراع الرحلة مرتدية قميص المغامرة، استلهم من الكتابة أن المواجع ليست بئر معطلة، بل هي دائرة تتسع شيئا فشيئا لنثر بذور الأمل وقمح الحياة.

رسالة إلى الكُتاب الشباب

_. كأكاديمية وكاتبة، ما الرسالة التي تودين إيصالها للكتاب الشباب الذين يبحثون عن صوته الإبداعي؟

الحياة تخلق كل لحظة، فمن رحم الألم يولد الإبداع والفكر، ومن حبلها السري يتغذى جنين الكتابة، فليست الأوجاع هي مقتل الروح وموت الحياة، بل هي الحياة نفسها عندما نلجأ للكتابة لا للبشر، فبمعية القلم والورق نشكو ونفرح في شموخ، نبكي ونضحك، ننام ونصحو، ننجح ونفشل، ولكن لا نتوقف أبدا.

شاهد أيضاً

«أدخل أيها الشبح».. تعيد للهوية الفلسطينية صداها

«أدخل أيها الشبح».. تعيد للهوية الفلسطينية صداها

أصدرت الكاتبة والروائية الفلسطينية البريطانية إيزابيلا حماد، روايتها الثانية «أدخل أيها الشبح» عام 2023، بعد …