منصة الصباح

خواطر في الذكرى العاشرة للثورة

زايد ..ناقص

جمعة بوكليب

الذكرى العاشرة لثورات الربيع العربي مرّت، خلال الأيام السابقة، موقظةً مشاعر مرارة لدى البعض، ومثيرةً مشاعر تذمر وسخط وغضب لدى آخرين. الاحباط، والشعور بالعجز، والخسران تقف وراء ما أعتلاء قلوب الفريق الأول من مرارة. بينما تقف ما خلقته من فوضى، وما تركته من ثُكل ويُتم، وما أوجدته من فقدان للأمن وللأمان وراء مشاعر السخط لدى الفريق الثاني. وربما في المسافة الضيقة جداً، بين الطرفين أعلاه، توجد أقلية ضيئلة، ترى أن الأمل الذي جاءت به ثورات الربيع العربي لم يمتْ بعد، ومازال ينبض حياة، كجمر تحت رماد.

الروائي الأمريكي “روبرت ستون”، مؤلف رواية “صالات المرايا” والذي عاش أحداث حرب فيتنام، وخاطر بالذهاب إلى خطوط القتال لاكتساب تجربة تؤهله لكتابة رواية عن تلك الحرب، سئل مرّة عنها، فرد قائلاً:” إنها خطأ بطول عشرة آلاف ميل.”

تُرى لو سئل كتّابٌ عربٌ، من مواطني بلدان الربيع العربي، عن ثورات بلدانهم ماذا سيقولون؟ هل يتجرأ أحدهم، مثلما فعل ستون، مع الفارق، ويصفها بأنها :” خطأ بطول عشرة أعوام؟”

المقارنة بين حرب فيتنام وثورات الربيع العربي  مجحفة، للفروق الكبيرة والواضحة بينهما. حرب فيتنام أضحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ أمريكا وفيتنام والعالم، وكان لها أصداء عالمية شعبياً وسياسياً وعسكرياً، ومازالت تداعياتها تظهر من حين لآخر. في حين أن ثورات الربيع العربي، حتى الآن، لم تصبح كلها تاريخاً بعد.

وفيما يخصّ ما حدثَ ويحدثُ في بلادنا ليبيا، فإن المسافة الزمنية بين اندلاع الثورة في 17 فبراير بمدينة بنغازي عام 2011، والاحتفال بالذكرى العاشرة لتلك الانتفاضة خلال الأيام الماضية، ربما تجعل البعض منّا يشعر بفخر وبكبرياء على نجاح شعبنا في الاطاحة بنظام جثم على نفوسنا أربعة عقود وأزيد. وقد تجعل من الصعب جداً على كثيرين منّا تحمّل استعادة وتذكر آلام تفاصيلها، أو الخوض فيما تركته في نفوسهم من احباط وأوجاع، وما خلفته في الحلوق من غُصص، وفي القلوب من حسرات، وما أوقدته في العقول من نار أسئلة. والسبب أننا حتى بعد عشرة أعوام، لم نخرج بعد من الجبّ الذي ألقينا فيه، ولم نعد نعرف ما إذا كنّا سنخرج حقاً، أم أننا سنظل رازحين في ظلامه؟

الذين منّا، في زحمة الحرب، اختاروا الاصطفاف وراء فريق أو آخر، طمعاً في تحقيق أهداف أيديولوجية أو مغانم مادية، ربما ينتابهم ندمٌ ذات يوم، حتماً سيأتي. وربما لا يشعرون بندم اطلاقاً، وهو أمر متوقع. والذين منّا أربكتهم حدّة الإحتراب وشدة  خطابات الكراهية المتبادلة، وفاجأتهم الأحداث والتطورات، غير مصدقين ما رأته عيونهم من جرائم  ترتكب بوحشية يعجز عنها الوصف، في وضوح النهار، قد ينالهم ندم أيضاً، ذات يوم، حتماً سيأتي، وسيحاسبون أنفسهم على اختيارهم الصمت والركون إلى السلبية، أو لا يندمون اطلاقاً. وهو أمر محتمل أيضاً، على أعتبار أنهم يعتبرون الأطراف المتصــــــــــارعة على السلطة والثروة، ” فخّار يكسّر بعضه.” وقد يكونوا محقين في ذلك. لكن ما حلَّ ببلادنا ليبيا يظل مسؤولية الجميع، ولن ينجو من تحمّل تبعاته أحد. وأن الجزء الأكبر منه سوف يقع على أكتاف أولئك الذين اختاروا طواعية أن يكونوا وكلاء محليين، يقاتلون نيابة عن قوى ودول أجنبية، ويدافعون عن مصالحها، ضد مصالح شعبهم وبلادهم.

الثورة، رغماً عن كل شيء، لم تُسقط رايتها بعد، ولم تُفقد أملها في الانتصار، ومازالت تقاوم وبشدة، حتى وإن تناقصت أعدادُ الملتفين حولها، وتزايدت أعداد المتأمرين ضدها.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …