منصة الصباح

خالتي حليمه تعود

” خالتي حليمه تعود…”

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

السيدةُ المعروفة، في كل أنحاء ليبيا وخارجها، باسم الخالة حليمه، لم يسبق لأحد ممن عرفتُ اللقاء بها. وبالتالي، فهي، بالنسبة لي ولغيري، لا تحمل ملامح معينة ومعروفة في ذاكرتنا الجماعية مثل اسمها. لكنها، وبعلم الجميع، سيدة مشهورة، ورغم ما تسببه من مصائب وبلاوي لغيرها، لا تخلو من ظرف محبب في بعض الأحيان. ونحن نستشهد بها في مواقف حياتية كثيرة تصادفنا يومياً. وكلما فعلنا ذلك، لابد أن نضحك بعدها، حتى وإن كان الموقف، أحياناً يستدعي منّا البكاء. ربما لقناعتنا أن الخالة المسماة حليمه، على عكس اسمها، تفتقد الحِلم كلية. وأنّها، ومن الأخير، لا تختلف عن ذيل ذلك الكلب سيء الصِيت، الذي وضعوه في قصبة لمدة أربعين عاماً بتمامها، بغرض تقويم أعوجاجه، فظل على حاله من الأعوجاج.

اشتهرت الخالة حليمة بعدم تخليها عن، أو بعودتها إلى، عاداتها القديمة. وهي عادات بالتأكيد غير محمودة أو مرغوبة، وكثيرة، رغم ما تبذله الخالة من جهود، وما تقطعه من عهود على نفسها. والحقيقة التي لا يختلف حولها عاقلان، هي أن الخالة حليمه معذورة، لأن العادات القديمة بطبيعتها لا تموت سريعاً، وبعضها لا يموت اطلاقاً. لكن العيش مع الخالة حليمه، في مكان واحد، أمر لا يطاق، وغير ممكن فعلياً وواقعياً. لأنه من الصعب التنبؤ بما ستفعله، وما تسببه من مشاكل لغيرها ممن يجاورونها. وبالتأكيد، فالخالة حليمه، التي تقيم لدينا في ليبيا، غير حليمة إطلاقاً، لما تسببه من مصائب وبلاوي لستة مليون مواطن ليبي. وأنه لا يمكن تفادي نيران شرور أفعالها. والغريب، أنه عقب انتهاء مصيبة فعلتها، يعود الهدوء والطمأنينة إليها، وتصاب الخالة المسكينة بحالة من ندم، وتهرب من لقاء الناس، محتمية بجدران بيتها وبالصمت. وكأنها بذلك تحاول اقناعنا أنها لن تعود ثانية إلى ما فعلت من شرور. إلا أن العادات القديمة، كما نعرف، تتحول إلى طبائع. والطبع غلاّب. ونحن تعودنا على ذلك السلوك منها، لكننا، بمرور الوقت وكثرة ما سببته لنا من كوارث، لم نعد نأمن قربها، أو نشعر بالأمان في جيرتها. لعلمنا أنها لن تشفى من عِلّتها، والتي من بين أعراضها نكث العهود، ونكران المواثيق، والحاق الأذى بكل ما صادف وكان قربها. ولم يعد لدينا من حلول سوى التوجه إلى الله سرّاً وعلانيةً، بالدعاء بأن يخلصنا منها في أقرب وقت ممكن، إنّه سميع مجيب.

وما يهمُّ في الأمرِ، هو أن الخالة حليمه- لا سامحها الله- تعلم يقيناً طبيعة ما تكِنُّ لها قلوبنا من مشاعر وأحاسيس، لكنها، بحكم العادة، لا تبالي بذلك، ولا تحفل بأحد. وكل ما يهمها أن تواصل حياتها على حساب العبث بحياتنا، لعلمها أن لا أحد منّا جميعاً يجرؤ على التفوه أمامها بكلمة. وهذا يعني حرفياً أن علينا طاطأة الرؤوس خجلاً من جبننا، وأن نتحمل نزواتها، ونركن كالعجائز إلى الصلاة والدعاء، رغم أن خبرة السنوات الماضية التي تعلمناها، تؤكد أن الصلاة والدعاء وحدهما لا يكفيان لتخليصنا من شرورها. وأن علينا العمل بالمثل الذي يقول” عاون سيدك عبد السلام بحبيل.” وإلى أن يأتي الوقت، الذي قد نتمكن فيه من تحويل ذلك المثل إلى فعل، يحق للخالة حليمة أن تستريح، وتمد رجليها على طولهما فوق رقابنا، وتواصل عبثها بنا، وبحاضرنا وبمستقبل أولادنا. والله المستعان.

شاهد أيضاً

نَظْرَةٌ نَاقِدَةٌ لِلْعَمَالَةِ الْوَافِدَةِ

باختصار الدكتور علي عاشور أصبح (كوبري العمال) و(جزيرة العمال) من المعالم المعروفة عند الليبيين وساكني …