زكريا العنقودي .
كنا صغارا نجتمع ببيت جدتي وكانت احلى لحظاتنا معها حين تجمعنا كاحفاد صفاً واحدا للمنام.
كانت تتكئ على احد جوانب مستطيل منامنا وبعد أن تقفل النور تشرع فتحكي لنا عن الغولة وكيف كانت تخيف الكبار وتفزع الاطفال .
حقيقة كنا نحب تلك الحكايات لكنها دائما ما تبدأ مرعبة (غولة الجنانات وغولة عقاب الليل وعجيزة القايلة وووو) لكنها وفي لحظة مبدعة وعفوية تنقل دراما حكاياتها تلك لمشهدية اخرى ينتصر فيها الانسان وتفر الغولة بعيدا وتغيب في الظلام .
فننام بعد ان تدثرنا بالحفتها الصوفية والتي نسجتها بسدوتها ونحن بغاية السعادة ..
كبرنا عن سن الطفولة تلك وصرنا تلاميذ اغلبنا بالاعدادية وتغير حال البلاد والعباد .
لكن حنينُنا لبيت جدتنا لم يفارقنا يوما فكنّا نزورها و نبيت عندها كل ليلة خميس ، لكنها صارت تعاملنا ككبار فغادرت طقوسها القديمة ، وغابت عنا حكاياتها كل ليلة ، استمرت فقط تهتم بعشائنا بثياب نومنا ،أغطيتنا ،ثم تطفئ النور و توصينا بالهدوء ، وتغادر اثر ذلك لفراشها لتنام وحيدة .
ذات ليلة سألناها
حناي باتي حدانا زي زمان ؟
قالت علاش هاكم ماشاء الله كبار وما عندكم ماديروا بيا .
تطوعت حينها بسؤالها دونا عن اخوتي .
وراس حناي باتي حدانا واحكينا عن الغولة زي زمان .
ابتسمت حينها وأجابتني
وينها الغولة يا ولدي تغيرت الدنيا تغيرت النفوس ، والغولة سيبت واكيد حتى هي هاجرت ، الغولة ياولدي ما تطلع الا في وقت فيه البركة والخير والنوايا الحسنة ،وحين غاب كل هذا خافت الغولة وهربت وخلتنا بروحنا في هالبلاد واكيد هي في بلاد تانية اكيد بعيدة و ما يعلم بيها الا الله .
يا ولدي نحن في وقت ( الحافظ الله ) البشر هم من صاروا فيه الاغوال ، وهم من يخشاهم الخيرون ويخافهم الاطفال .
اطفئت جدتي النور وغادرت وهي تمتم كما عادتها .
لاحول ولاقوة الا بالله
لاحول ولاقوة الا بالله .