زايد..ناقص
بقلم /جمعة بوكليب
شهر يناير أول شهور السنة الشمسية، وأكثرها برودة. الاسم روماني، مشتق من الإله جانوس، حارس المداخل والجسور. الإله جانوس كان له وجهان ينظران في اتجاهين متعاكسين. وجه ينظر إلى السنة المنقضية، وآخر نحو السنة الجديدة. أي أننا ندخل السنة الجديدة، بقلوب تؤمل خيراً، وملتفتين، في نفس الوقت، لتلك التي أنتهت، وابتلعها الزمن، وما حدث لنا فيها من حوادث مسرة أو عكسها. وأعتقد أنني لست مخطئاً لو قلت إن العديدين منا يتمنون أن تكون عقولهم وذاكراتهم مثل أجهزة حاسوب ليكون بامكانهم، بضغطة زر واحدة، محو الكثير من تلك الهفوات والأخطاء المحرجة التي إما ارتكبوها أو قالوها ، وظلوا يتحسرون ندماً عليها.
في الثقافة الشعبية الانجلو- سكسونية يسمون يناير شهر الذئب، لأن الحيوانات المفترسة في البرية كثيرا ما تدفعها شدة البرد والجوع إلى الاعتداء على البشر. وفي الثقافة الاسكتلندية الشعبية هناك تقليد قديم مازال ساري المفعول، في بعض المناطق، يتمثل في أن يطرق باب بيتك، في منتصف ليلة رأس السنة، رجل لكي يقدم لساكني البيت حزمة من خشب تدفئة وطعاما.
ولأننا من البشر المقيمين في نصف الكرة الشمالي، فهذا يعني، ضمن أشياء أخرى، أن النهارات القصيرة ولّت الادبار، وأننا، لو حبا الله أخوتنا المتقاتلين بهدايته، وأمد في أعمارنا، سوف نستمتع بساعات أطول من ضوء النهار. ويبقى علينا التعامل مع الكثير مما سيخصنا به هذا الشهر من السنة من برد وغيوم رمادية. فأستعدوا له بما يلزم.
العادة، أيضاً، في كل البر الانجليزي أن ترفع الزينة عن أشجار عيد الميلاد في اليوم السادس من شهر يناير.
في اليوم السابع من شهر يناير يحيي العالم ذكرى عبور بحر المانش الفاصل بين بريطانيا وفرنسا جوّياً، للمرة الأولى. ففي مثل هذا الشهر من عام 1785 قام شخصان احدهما فرنسي يدعى جان بيير بلانكارد، وآخر أمريكي اسمه جون جيفريس، بركوب منطاد وعبور بحر المانش.
في شهر يناير عام 1799 تم تطبيق قانون دفع ضريبة الدخل في بريطانيا، لأول مرة، وذلك لمواجهة الأعباء المالية للحروب النابليونية.
وفي يوم 12 يناير بأمريكا من عام 1915 عرض مشروع قانون في أمريكا من قبل مجلس الشيوخ لمنح النساء حق التصويت في الانتخابات.
في شهر يناير عام 1964 انتفض الطلاب الليبيون ضد العهد الملكي، وقتل عدد منهم برصاص الشرطة. وفي يناير عام 1976 أنتفضوا ضد حكم الاستبداد العسكري، وبعدها بأشهر قليلة، وتحديداً في شهر أبريل من نفس العام، وجه النظام ضربة قاصمة إلى تلك الحركة، وأودع قادتها السجون.
في شهر يناير 1977 انتفضت مصر الشعب ضد حكم أنور السادات، وكادت تلك الانتفاضة تطيح بالنظام، لولا سوء الحظ.
في شهر يناير 2020، تكون طرابلس، عاصمة دولة ليبيا، قد دخلت، من دون تردد، الشهر التاسع من حرب لاناقة لها فيها ولاجمل كما يقولون، ومن دون أن تبدو، في أي الجهات، بارقة أمل، في وصولها إلى نهاية، ووقف نزيف الدم والدمار، بل العكس تماماً. ومن المتوقع، حسب ما يصل إلى أسماعنا من أخبار، أن تتسع رقعة الحرب، لتشمل مناطق ومدن أخرى، ومن المحتمل جداً، ان استمر الحال على ما هو عليه، أن نرى تدويل القضية الليبية، كما حدث في سوريا، ونصير كالأيتام على مآدب اللئام من الدول الطامعة فينا شرقا وغربا وشمالا وجنوباً. ندعو الله القديرأن يقينا شر ذلك المصير، وأن يلطف بنا، ويبدل أحوالنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد.