زايد..ناقص
بقلم /جمعة بوكليب
لا أعرف، على وجه الدّقة، عدد الأشرطة السينمائية الأمريكية ذات الصلة بـ”الولد بيلي –Billy the Kid”، التي أتاحت لي الفرص مشاهدتها. ولا أستطيع تعداد ما أُنتج من أشرطة سنيمائية وتلفزية وبرامج مسموعة وأغان ، ودواوين شعر ودراسات تتعلق بحياته. ويكفي الإشارة إلى أن أول الأشرطة السينمائية حوله أُنتجت عام 1911، زمن السينما الصامتة.
في الفترة الأخيرة، شاهدتُ شريطاً سينمائياً أمريكياً بعنوان” الأيام الأخيرة في حياة الولد بيلي”. الشريط أُنتج في هوليوود عام 2017. في عام 2019 ظهر شـــــــــــريط آخــر بعنوان “الولد”. وأن يهتم الأمريكيون بشخصية أمريكية، ويحولونها إلى أسطورة، فذلك شأنهم. وأن تكون تلك الشخصية الولد بيلي، فأمر يستحق التساؤل. والسبب هو أن بيلي شاب مات مقتولاً بطلقين ناريين، وهو في سن الحادية والعشرين، وعاش حياته منذ مرحلة مبكرة خارج أطر القانون –مجرم وقاتل –وتعرّض للسجن عدّة مرات. وتمكن من الفرار، والعيش مطارداً، حتى مقتله. بيلي قتل عام 1881، وهي فترة زمنية وتاريخية أشتهرت في أمريكا بالانفلات من القوانين والحرابة والقتل، مما يعني أن أعداد المجرمين تفوق التصور، ومع بينهم جميعاً يتمّ اختيار ولد اسمه بيلي، ليصنع منه أسطورة، تمكنت من عبور حواجز الزمن، وواصلت الحياة والانتشار إلى يوم الناس هذا. الأشرطة السينمائية التي شاهدتها تختلف في تفسيرها لحياة الولد بيلي. حرص بعضها على تقديمه كمجرم بلا قلب. وحرصت آخرى على تقديمه كمجرم طيب القلب، وشبيه بشخصية “روبن هود”، الشخصية التاريخية في الخيال الشعبي الانجليزي، للص الذي يسرق من الأغنياء ويهب ما سرق للفقراء. وهناك أشرطة سعت إلى تقديمه كرمز للتمرد على الأنماط الاجتماعية والقوانين. لكن الوثائق المسجلة والمحفوظة تؤكد أن بيلي كان منحرفاً، منذ فترة مبكرة من حياته، وتحوّل إلى القتل في سبيل تحقيق جرائمه. فكيف تمكن، من بين كل المجرمين الآخرين، من شد انتباه الناس إلى جرائمه، وإلى شخصيته، حتى صارت جرائمه يتناقلها الناس، ويتغّنى بها المغنّون، وتستقطب اهتمام السينمائيين منذ ظهور السينما؟
أسئلة كثيرة، تتعلق بالشغف الشعبي أمريكياً، بولد لا حرمة للنفس الانسانية لديه، أورادع أخلاقي يصدّه عن ارتكاب ما يُعدُّ مخالفاً للشرف. الأسئلة، بشكل واضح، تتركز حول قدرة الخيال الشعبي على صنع أسطورة أمريكية محلية، بمعنى أنها على عكس الأســــــــــاطير القديمة ( اليونانية أو البابلية..الخ) ظلت داخل حدود الثقافة الأمريكية، ولم تتجاوزها إلى غيرها من الثقافات، أو البلدان، حتى المجاورة. ثم ماهي الدوافع ، ولماذا؟ وهل عامل صغر السن، على سبيل المثال لا الحصر، لعب دوراً في ذلك، أم أنها الجرأة التي أبداها على مخالفة القانون، والقتل، والتمكن من الهروب من السجن، والعيش مطارداً، أم كل ذلك مجتمعاً؟
تفسيري الشخصي يرتكز على حقيقة أن الشعب الامريكي أسسه مهاجرون جاءوا من مختلف بلدان أوروبا، وبالتالي، حملت كل مجموعة منهم ذاكرة ثقافية وتاريخية مختلفة ومتميزة عن غيرها. ولتوحيد ذلك الخليط المهاجر، لعبت اللغة الانجليزية دوراً مهما وأساسياً. فذابت الألسنة المتعددة في لسان واحد. بعدها جاء دور تكوين ذاكرة مشتركة، من خلال خلق خيال شعبي، وتحويره في أساطير تتناقلها الأفواه، ويتغنّى بها مغنّون، وشعراء، تغطي كل أنحاء البلاد، وتعمل على توثيق آواصر الوحدة، وتعميق الانتماء لأرض ولشعب ولثقافة. ومن حسن حظ الولد بيلي أنه ظهر في الزمان والمكان المناسبين، فاستقطبت جرائمه وجرأته وصغر سنّه الاهتمام. وعملت السينما، والموسيقيون، والمغنّون، والشعراء والكتاب والرواة، كوسائل لتكريس ولنشر تلك الشخصية، وترسيخها في الذاكرة الأمريكية. والله أعلم.
الوسومحكاية وأسطورة
شاهد أيضاً
التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي
الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …