منصة الصباح

حكاية الابن العاق.. والزوجة التي ألزمته تنظيف البيت

رصد ــ آمنة رحومة

ــ أحبت (ح -ع) ابنها البكر أكثر من زوجها وبناتها الأربع وابنها الصغير، وقدمته في حياتها على كل شيء.

كان لا يهنأ لها بال حتى تراه نائماً في فراشة .. وهو بدوره لم يعبأ بذلك الحب حاله كحال أي شاب ليبي يريد كل شيء في ساعة من دون تفكير، يقلب الدنيا علي أهله إذا لم يتم تنفيذ أمره أو طلبه الذي طلبه مسبقاً.

محصلة الطيش والتسكع

في أحد الأيام من سنة 1988م، وكعادته، كان يتسكع مع أصحابه بسيارة أبيه في شوارع مدينة طرابلس، وبسبب طيشه وإهماله ومعاكسته للبنات، وسرعته الزائدة قام بصدم طفل صغير وعلى فوره ذهب به مع أصحابه إلى المستشفى، وبعدها أخبرهم الطبيب بأنه أصيب بكدمات بسيطة وكسر في رجله اليمنى.

ورجع إلى بيته وأخبر ابنة خاله بما حدث وأنه سوف يقوم بتسليم نفسه لمركز الشرطة، وبالفعل قام بتسليم نفسه للمركز، وقام المركز بعد وصوله بإخبار أهل الطفل بحالة ابنهم وأنه يعالج حاليا بمستشفى شارع الزاوية .. وبنفس الوقت قامت ابنه خاله بإخبار أمه التي كانت تستضيف أقاربها في بيتها بكل ما حصل لابنها..

وبدأ نحيب (ح،ع) على ابنها وضياع مستقبله، وعلم الأب بما فعله ابنه فغضب وذهب إلي مركز الشرطة ليستفسر علي حيثيات المشكلة، وأخبره رئيس المركز بأن أهل الطفل المصاب رفضوا تقديم أي تنازل .. وبعدما شرح له بالتفصيل كل ما حدث أمر بإحضار ابنه ليقابله، وجاء ابنه فوبخه على تصرفه الأهوج .. تركه ورجع إلى البيت متعبا.

لعنة السجن

وبعد مرور أسبوع جاء خاله وقال لأخته بأنه يجب عليهم أن يقوموا بإرضاء والد الطفل الذي دهسه ابنهم بالسيارة، وأنهم في حالة يُرثى لها، وبالفعل أخذوا ماكان يُسمى في ذلك الوقت (القضية) والتي هي عبارة عن (خضروات متنوعة، وصندوق زيت وطماطم، وأكياس دقيق وسميد وسكر …. الخ حتى الخروف)، مع إعانة مالية تقدر بــ 150 دينار ليبي، لأجل الحصول علي التنازل الذي سينقذ مستقبل ابنهم من الضياع .. إلا أن أهل الطفل قبلوا بالهدية التي أعطاهم إياها أهل الشاب، ورفضوا التوقيع على التنازل، وبذلك حُبس ابنهم على ذمة التحقيق.. وبعدها تم عرض القضية على المحكمة التي أصدرت حكما بحبس المتهم بالمدة التي حددها القاضي، وحاول أهله مع أهل الطفل عدة مرات ولم يفلحوا حتى جاء قريبهم المطلع على القانون الجنائي وقام بالتفاوض مع أهل الطفل بالقانون فوافق أب الطفل على التنازل، وخرج ابن السيدة (ح،ع) من السجن، الذي ظلت لعنته تتابعه في كل مرة يستخرج فيها شهادة البراءة، التى تصدر ممهورة بكلمتين (لديه سوابق) … فتنتهي كل محاولاته في الحصول على التسهيلات الإدارية.

يعود ابن (ح،ع) إلى البيت وكأن شيئا لم يحدث، يخرج مع أصدقاء السوء الذين تخلوا عنه وقت حاجته إليهم ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء السؤال عليه .. وكالعادة يخرج لقضاء وقت الفراغ والوقوف معهم تحت عمود إنارة الشارع (البالو) لمعاكسة الفتيات.

وبنجاحه وحصوله على الشهادة الإعدادية تم تسجيله بالكلية العسكرية، والتي تم أخذه إليها إجباريا بعد تخلفه عدة مرات عن الالتحاق، وبدأت بالكلية التدريبات القاسية التي استمرت لمدة أربع سنوات، والأم المسكينة تدعو ليل نهار، إلى أنه جاء اليوم الموعود وتخرج ابنها من الكلية. تغير شكله، وزادت قوة بنيته الجسدية، ولكن تصرفاته هي نفسها لم تتغير مع أهله .. وبعد سنوات من العمل العسكري قام، حسب قول أمه، بتغيير عمله من المجال العسكري إلى المجال المدني وبنفس تخصصه، ومع ذلك النجاح إلا أنه لم يستطع استخراج شهادة البراءة إلا بعد عدة محاولات عديدة مع المحكمة التي مكنته في آخر محاولة من استخراج شهادة براءة .. وبمجرد أن عاد لحريته اجتمع هو وأصحاب السوء من جديد إلا أنه هذه المرة في صورة رجل أهوج قليل التدبير.

وذات مرة وقت الظهيرة عاد ابن (ح،ع) إلى البيت منهكاً ودخل أول غرفة بجانب الباب الرئيس (المربوعة) واتكأ على وسادته، وهو ينادي بصوت عال (وين الغذي؟) وبسرعة تأتي إليه أمه بصحن مكرونة وتضعه أمامه إلا أنه بعنجهيته دفعه بقدمه اليسرى بقوة بعيداً عنه. وقال: (شن ديمة مكرونة؟.. كرهتوني في عيشتي!)، خرج من البيت متعصباً.

في انتظار الغائب

لم تأبه (ح،ع) لتصرف ابنها السيئ، وهي تبكي وتلوم نفسها: (وليدي قعد بلا غدي)، وتأتي ابنتها وتقول لها: (يمشي يملح .. ليش حارقة دمك عليه)، فترد الأم:(تحشمي.. هذا خوك الكبير في عوض بوك). تصمت الابنة، وتدخل المطبخ وهي تأكل بعضها البعض، وتعد فنجان قهوة لتهدئ أعصابها فتكلمها شقيقتها الأصغر منها قائلة: (احسبيني معاك) .. فترد هي (باهي)!.

ذهب الابن يتسكع مع شلته المتصابية، كما في كل مرة، في الشارع متباهياً بسيارة أبيه، يمازح أصحابه ويضحك معهم، وصوت أغاني (الراي) تملأ كل الطرقات التي تسير فيها السيارة..

وفي الليل جاء لأمه ليخبرها بأنه سيذهب مع أصحابه لقضاء عطلة ما يُعرف لدينا (بالزردة)، ولكنه لم يحدد الوجهة التي سيذهبون إليها.

وبعد مُضي ثلاثة أيام على غيابه، صار قلب (ح،ع) يغلي على ابنها كغلي الماء على النار، وبدأت تتحدث عليه مع نفسها في المطبخ والحمام والصالة وكل مكان لدرجة الهلوسة، وتقف لساعات طويلة تنظر من الشرفة علها تلمح خياله بين المارة .. ولكن قدماها تتعبان من شدة الوقوف فتدخل للغرفة وتجلس وهي تبكي على ابنها.

عودة غير مأمونة

وبقيت على هذه الحال لمدة سبعة أيام حتى أنها لم تعد تشتهي الطعام، وكان زوجها وبناتها يحاولن إطعامها لقيمات صغيرة، ولكنها لا تأكل إلا بشق الأنفس، وتنام على فراش (مندار) في الصالة، متمسكة ببعضها، وكأنها جنين متمسك بحبله السري في بطن أمه.. واستمرت على هذا الحال إلى أن حل اليوم الثالث عشر، الذي انهارت فيه قواها، وتدهورت صحتها وهي نائمة على فراشها تشتكي همها إلى الله.

وتأتي ابنتها الصغيرة لأمها قبل صلاة المغرب بعشر دقائق وهي تقول (يمي خوي روح)، وما أن أتمت كلامها حتى دق الباب، وأسرعت تلك الصغيرة إلى الباب يعلوا صوتها فرحا بعودة أخيها، ويدخل ابنها ويسلم عليهم، فتقوم الأم وكأنها لم تكن تعاني شيئا وتحضن ابنها وهي تبكي .. وبعد عتاب وسؤال، يجيبها بأنه كان مع أصحابه مسافراً إلى تونس، فغضبت منه أمه لأول مرة غضباً شديداً، إلا أنه لم يبال، لأنه يعلم متى وأين وكيف يجعلها ترضى عنه وتنسى كل ما فعل بها؟!.

لكن أخته الأصغر منه لم تتركه في حاله، ووقفت في وجهه وقالت له: (طلطاش يوم وأمك مشغولة عليك، لا تأكل ولا تشرب زي الناس.. ولما تروح هكي ترد عليها؟!). حاول الرد عليها فتدخلت الأم وانتهي كل شيء لصالحه.

كان دائما كثير التذمر ولايرضيه شيئا، وعندما تعد أمه طعام الغذاء أو العشاء يعلق بأن طعمه غير جيد .. وفي يوم عطلته يهين أخواته بأنهن لا يقمن بتنظيف البيت جيداً .. ومن كثر إسرافه في التعليق عليهن ترد عليه شقيقته الأولى (توا نشوفوك لما تتزوج .. شن بدير مع المراة اللي بتاخدها)، فيرد عليها وهو يضحك: (كان تخلي الحوش امسخ.. واطيبلي مكرونة نردها لبيت هلها).. تضحك أخته (باهي دقها وشمه عليا كان رديتها!).

زواج مشروط

تزوج ابن (ح،ع) من فتاة من عائلة ميسورة الحال، ويسكن في بيت مستقل.. تبدل حاله فأصبح هو من يقوم بالتنظيف والاعتناء بالبيت ويأكل المكرونة التي تطبخها زوجته في الليلة السابقة، ويكتم غضبه، ويختزل كل المشاكل في نفسه ولا يبوح بها لأي أحد من أهله كي لا يتعرض للسخرية منهم كما كان يفعل بهم.

وفجأة وبدون سابق إنذار تأتي أمه صحبة ابنتها التي تزوجت بعده بثلاثة أشهر تدق الباب .. سمع دق الباب فجاء مسرعاً وما أن فتح الباب حتي وقعت عيناه في عيني أمه فتغيرت ملامح وجهه، وتدخل (ح،ع) وهي تقول (خيره حوشك ريحته هكي.. وهو صامت لايرد بشيء.. ترفع صوتها وتسأله عن زوجته، فيجيبها بأنها نائمة في غرفتها.. أخته تضحك ينظر لها ويقول: (ليش تضحكي؟) فتجيبه: (غداك مكرونة صح والا لا؟، وحوشك مش نظيف، هي زي ماقلت.. بترد مرتك لحوش أماليها؟!) .. يسكت أخوها، وتهز أمه رأسها علامة على عدم رضاها على حال ابنها.

وتعود “ ح، ع” إلى بيتها بعد أن أشبعت ابنها وزوجته بالشتائم وهي حزينة وتلوم نفسها بأنها قامت بتزويج ابنها لتطمئن عليه ولكنها فشلت في ذلك.. ترد ابنتها عليها بأن هذا هو اختياره وليس لك أي علاقة فيما حصل معه.. ولكن اللوم عليك لأنك كنت دائماً تفضلينه علينا واليوم “حتى باكو عصير مايقدر يجيبه ليك وأماليها جايبلهم كل شيء”.. فتصمت وتجلس بعيداً عن ضجيج ولوم بناتها وهي تضع يدها على خذها وتسرح بتفكيرها في كل ما حصل لها.

– هادية القاضي.. اخصائية اجتماعية

أعتقد بأنه لازالت عقدة تفضيل الذكور عن الإناث موجودة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. وذلك لعدم درايتهم ومعرفتهم بتعاليم ديننا الحنيف من خلال الآيات الواردة في القرآن الكريم حيث يقول عز وجل في محكم كتابه “وإذا بُشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم “58” يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أو يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون “59 “ سورة النحل..

وهكذا جعل القرآن العظيم ذلك المظهر من الاكتئاب والحزن عندما يبشر الأب بالأنثي دلالة على عدم التحضر والفهم المستقيم لتلك الجزئية.. وبالتالي فإن ذلك التفضيل يقلل من قيمة الأنثي ويظلمها ويزيد من أنانية وتكبر الذكر وصرفه بذلك التباهي بعيداً عن مسؤولياته التي خلق من أجلها.

ومن خلال ذلك يجب أن تعد دراسة لمثل هذه الظاهرة الاجتماعية في مجتمعنا الليبي والتي تمثلها الأسرة التي تتكون من أب وأم وأربع فتيات واثنان من الشباب .. ومن هنا تتحدد المشكلة التي تكمن في تفضيل الأم للذكور عن الإناث في كل أمور الحياة، إضافة إلى سيطرتها على الأب وسلبية الأب مع المواقف والمشاكل التي تحدث أمامه.

ولذا أرى بعد تحديد المشكلة دراسة الحالة والتي نقصد بها جمع أكبر قدر من المعلومات المفصلة والشاملة والدقيقة عن كل أفراد الأسرة سواء التي حدثت في الوقت الحاضر أو في الماضي.

وبعد تحديد المشكلة نقوم برصد وإعداد الأهداف التي من أجلها يمكن دراسة الحالة، والتي تتلخص في الأتي:

– أولاً: تحقيق التوازن والتوافق الصحي والنفسي والاجتماعي للحالة المدروسة.

– ثانياً: إزالة كل مايعترض سبليل الحالة المدروسة من عقبات وصعوبات مساعدتها في كيفية التغلب عليها.

– ثالثاً: تعديل السلوك غير المرغوب فيه بسلوك آخر مرغوب فيه.

 رابعاً: تعليم الحالة المدروسة “الشخص” كيفية التعامل مع جميع المشاكل بنفسه وطريقة حلها مستقبلاً بدون الرجوع إلى الاختصاصي الاجتماعي.

– وهناك بعض الأساسيات التي يجب فعلها من قبل الأخصائي الاجتماعي آلا وهي:

– جمع المعلومات والبيانات العامة عن الحالة من حيث تكوين الأسرة وعدد الأفراد الذين يعيشون في نفس البيت.

– تقييم الحالة الصحية والنفسية.

– تقييم الحالة المعرفية والعقلية والتي تتمثل في “الذكاء – التحصيل العلمي.. إلخ”.

– تقييم البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها الحالة وعلاقتها بمن حولها.

– تقييم النواحي الانفعالية للحالة “الفراغ – نظرته لنفسه – ثقته بنفسه .. إلخ”.

– دراسة وتقييم شخصية الأم ومعرفة أسباب ودوافع تفضيلها الذكور عن الإناث..

وأيضاً معرفة وضع الأب النفسي وعلاقته بالمحيطين به من أقاربه وجيرانه.

– وكذلك التركيز على المصادر التي تساعد على دراسة الحالة.. المتمثلة في الأسرة الأقارب أي شجرة العائلة “الأب، الأم، الإخوان، الأخوات، الأعمام، العمات، الأخوال والخالات،، إلخ” .. إضافة إلى الأصدقاء والمعلمين.

– التركيز على الحالة المدروسة أو الشخص نفسه لأنه أعلم من غيره بواقع حالته.

– دراسة الأسباب السلبية للظاهرة المتمثلة في الأبناء كل على حده ومعرفة رغباتهم ومتطلباتهم عن طريق جلسات خاصة وسرية لتحسين العلاقة بينهم.

ولن يكتمل ذلك إلا عن طريق استخدام الأدوات المناسبة للحالة المدورسة، وتتحدد أدوات الدراسة في “المقابلة الشخصية، الإرشاد النفسي، السيرة الذاتية، الزيارة المنزلية في أضيق الحدود”.

– ومما سبق يمكنني أن أوجه نصيحة للفتيات، عليهن أن يكسبن محبة أماتهن واستعطافهن والاهتمام باحتياجتهن النفسية.. وأن يقمن بتحسين علاقاتهن بإخوانهن وذلك من خلال انسجامهم وتوافقهم في الرأي وإظهار محبتهم ومشاعرهم الصادقة لبعضهم البعض، الأمر الذي يجبر الأم على التقليل والحد من سيطرتها على بناتها والتفكير في محاولة الاعتدال والاتزان في تصرفاتها مع نباتها.. وتقتنع بأنه لا فرق بين الذكر والأنثى، فكل واحدٍ منهما له حقوق وعليه واجبات تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه.

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …