ينكشفُ لنا يوماً بعد الآخر أن الاستعمار ليس كله شرّ، بل هو خير في بعض الأحيان، رغم مقاومتنا له..
فالاستعمار الإيطالي لبلادنا، وإن كانت أكبر حسناته علينا، هي تخليصنا من الاستعمار العثماني الجاهل المُجهّل، والذي لم تستفد منه الشعوب، ولا البلدان التي سيطر عليها، تعليماً وإعماراً وحضارة، بل نقل ثقافته المتمثلة في “الرقص الشرقي”، والغلمان والجواري، والخازوق، وفقط جمع “الميري”، وجعلنا نتأخر عن ركب الحضارة قروناً عديدة..
والحقيقة أن الاستعمار الإيطالي هو أساس العمران الحديث في المدن الليبية، ولا زالت الشواهد على ذلك باقية حتى الآن ولأجيال قادمة، وكذلك فتح المدارس لليبيين، رغم أن الظروف لم تكن مواتية لأغلبهم للالتحاق بمقاعد الدراسة، ولم يفرض التنصير عليهم، بل لم يمس الترابط المجتمعي للشعب الليبي بأطيافه كافة، كما يحدث الآن ممن يرفعون راية الإسلام، سواء في بلاد الحجاز أو في بلاد الأناضول وحتى بلاد فارس..
ويبدو أننا كليبيين سنترحم على الإيطالي الاستعماري “بالبو”، أكثر من ترحمنا على من يُسمّون (الملك الصالح، والقائد الأممي، والمناضلون المحررون “الذي قبضوا ثمن نضالهم المزعوم قبل أن يضعوا أقفيتهم على كراسي حكم ليبيا”..)..
حيث أن “بالبو” استطاع أن يبني المدن الحديثة، ويشق الطرق الطويلة، ويفتح المدارس، وغير ذلك الكثير، وحركة المقاومة مُستعرة في كل أنحاء البلاد، فلم يتحجّّج بالظروف الأمنية، ولا نقص الموارد، في سبيل إعمار البلاد، حتى وإن اتفقنا أن مشروعه آنذاك كان لتوطين الإيطاليين في ليبيا، لكنه نجح وهو المستعمر الغريب المبغوض المُحَارَب، في حين فشل من يدَّعون الوطنية وخدمة الوطن والمواطن..
قد يترأى لقصير نظر، ومعدوم بصيرة أنني أُثني على الاستعمار، وهذا أمر لا أساس له في الحقيقة..
إلا أن ما يدعو إلى هذه المقارنة هي حقيقة الوهم الذي نعيشه كشعب ودولة، وللأسف، فإن هذا الوهم الذي نعيشه سيطر وتورّم حتى أعمى أبصارنا عن رؤية وهم الحقيقة، الساطع كالشمس ذات يوم صيف..
فبالرغم من الحكومات المتتالية، من المملكة إلى الجمهورية والجماهيرية، إلى حكومات القوة والمُقاسمة خلال العقد ونصف الأخير، والتي يتفق الجميع على تسميتها بالمرحلة الانتقالية، وصرفها لميزانيات ضخمة، بعجز اللسان عن نطقها، كان بإمكانها ان تبني قارة كاملة متطورة مزدهرة، رغم كل ذلك فما زال المواطن الليبي يعاني شظف الحياة، ولا زالت الدولة الليبية تتخلّف حتى عما يسمّى بلدان العالم الثالث، وتنكشف عوراتنا أمام أبسط ظواهر الطبيعة، أو هجوم فيروس مُهجَّن….
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً على الإجابة:-
ما الفائدة من كل الحكومات والوزارات والأجهزة والمؤسسات، والميزانيات الباهضة، إذا كنا دون الاستعانة بالأجنبي، غير قادرين على علاج مريض، أو بناء جسر، أو مدّ طريق، أو تخطيط عمراني يواكب العصر ويُريح المواطن؟!
وما الفائدة من كل الجامعات والأكاديميات، ومراكز الأبحاث، واجتهاد الطلاب في مشاريع تخرّجهم ودراساتهم، وهي لم تُقدّم شيئاً للوطن والمواطن طوال قرنٍ إلا ربع؟!
إن الحل في هذه البلاد، لا يكون إلا بأحد أمرين:
أولهما:- تسليم إدارة البلاد كاملة لإحدى الشركات العالمية، وإلغاء كافة المسميات من حكومات ومجالس وأجهزة ومؤسسات..
وثانيهما:- توزيع كامل إيرادات البلاد على جميع المواطنين بالتساوي، وحل جميع الوزارات والمؤسسات، وليكن كل مواطن دولة لوحده، ويعمل على تلبية احتياجاته فرداً أو مع مجموعة، وبهذا لم يعد أمامه من يُلقي عليه اللوم في سوء أحواله، وانعدام وتعطّل خدماته..
وإلى أن يكون ذلك كذلك، فلنُتابع يومياً أخبار مكتب النائب العام، ول”نُحسبن” على صفحات التواصل وفي مجالسنا، فهذا أقصى ما يمكننا فعله..
مفتاح المصباحي
– ملاحظة/ رأي الكاتب لا يُعبّر عن رأي المنصة..