أحلام محمد الكميشي
في 10 ديسمبر سنويًا تقام الاحتفاليات والفعاليات الثقافية بشعارات مختلفة في عديد الدول احتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبعض المؤسسات قد تصدر فيه تقاريرها السنوية التي ترصد الانتهاكات وفق مؤشرات محددة تُضمنها التقارير مع الإحصائيات والمقارنات، وتهتم أخرى بإقامة الندوات والحواريات التي تسلط الضوء على مفهوم ومعايير حقوق الإنسان والتوعية بأهميتها وتتبع وضعها لدى بعض شرائح المجتمع وإصدار التوصيات الختامية مع دعوة المتخصصين والمهتمين لإثراء الحوار وتعميم الفائدة، فيما تهتم غيرهم بالاحتفاليات فقط.
هناك خلط لدى البعض بين مفهوم حقوق الإنسان والحريات ، فحقوق الإنسان لصيقة به منذ الولادة وبعضها منذ ما قبلها وليست هبة أو منة من أحد وهي محمية بالتشريعات الإلهية والتشريعات القانونية والمعاهدات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين (الحقوق السياسية والمدنية – الحقوق الاقتصادية والاجتماعية)، والأصل في كل حق أن نهايته حين يبدأ صاحبه في التعسف في استعماله، لأن الإنسان يعيش في مجتمع وحقوق الإنسان فردية وجماعية أي وجهان لعملة واحدة وليست حكرًا على أحد دون غيره، وسلامة المجتمع تكون في توفر الحقوق لكل فرد فيه وبما يضمن عدم اعتداء طرف على آخر، لكن الحريات متفاوتة بحسب نظام الحكم في الدولة ومنظومة القيم والأعراف والعادات والتقاليد ونسبة الوعي الفردي والمجتمعي والخطاب الديني ومدى سطوة المدنية أو العرق والقبيلة، وبحسب معطيات المكان والزمان، لذلك فالحقوق عامة بينما الحريات مخصصة، ويأتي هنا دور الدساتير المهم في حماية الحقوق والحريات وخلق موازنة بينها وتنظيمها بما يمنع مؤسسات الدولة من خرق العلاقة بين المسؤول والمواطن أو الحاكم والمحكوم أو مكونات النظام السياسي والأفراد.
لا يمكن استيراد الحقوق ولا الحريات، ولا تحقيق الحقوق بعيدًا عن الالتزام بالواجبات، والنموذج المثالي في بلد ما ليس بالضرورة أن يكون مثاليًا في بلد آخر ولا في نفس البلد في كل زمن، لكن دين الإسلام منظومة كاملة من الحقوق والحريات صالحة لكل زمان ومكان لأنه دستور الله لكل العالمين وأبدي إلى يوم الدين، وقد فصّل الله تعالى في كتابه العزيز كل شيء تفصيلَا، ويجب تطوير الخطاب الديني وفق هذه الحقيقة.
في المجتمعات التي تهتم بمسألة حقوق الإنسان نجد ذلك مترجمًا في تشريعاتها وتطويرها لقوانينها بما يوافق ما صادقت عليه من اتفاقيات ومعاهدات دولية وبما يحقق الموازنة بصورة أكبر في كل مرة بين الحقوق والحريات ويضمن العيش الآمن للفرد والجماعة في هذه المجتمعات ثم في اتباع مؤسساتها التنفيذية للنصوص القانونية في سير عملها اليومي وعدم خلط النص القانوني بالرأي الشخصي للمسؤول خلال التنفيذ، ثم في قيام مؤسساتها الرقابية بمتابعة كل هذا واكتشاف الخلل وتقديم مرتكبيه للجهات القضائية ثم في قيام الجهات القضائية بتطبيق القانون على الجميع ومتابعة تنفيذه، وفي وجود مجتمع مدني قوي وفاعل يمكنه العمل حين تخفق الحكومة ومواصلة التوعية والمتابعة والرقابة وفي وجود إعلام مهني يشيد بالإيجابي ويسلط الضوء على الخلل ويطرح مقترحات الحل والمعالجة.