منصة الصباح

جمل طاحونة

زايد..ناقص

جمعة بوكليب

 

بدلاً من ” حكاية مدينتين” رواية الكاتب الأنجليزي تشارلز ديكنز، يمكن الحديث مجـــــــــــازاً عن ” حكاية حكومتين”. ونعني بذلك الحكومة البريطانية الحالية في وضعين: الأوّل لدى استلامها لدفة الحكم في شهر ديسمبر الماضي، عقب أنتصار انتخابي  تاريخي، وقد رفعت عالياً شعار “في الإمكان أبدع مما كان.” والثاني، نفس الحكومة، بعد وصول واستفحال الوباء الفيروسي، وقد رفعت عالياً شعار ” ليس في الإمكان أبدع مما كان.”

شهر عسل حكومة السيد جونسون، لسوء حظه، كان شديد القصر.  وتحوّل بسرعة، لدى وصول الوباء، إلى شهور طويلة من بصل وثوم. والضحايا عديدون.  في مقدمتهم تجيء  سمعة السيد بوريس جونسون ، وتلاشي وعوده السخيّة للناخبين في الريح،  بعد أن أسقطت الأزمة كل أوراق التوت عنه، كاشفة عورات عجزه وتقصيره وارتباكه، الأمر الذي  أوقعه فريسة سهلة لسهام نقد مسمومة، أنهالت عليه من كل اتجاه، بل ومن جهات تُعَدُّ، بكافة المقاييس، صديقة. لكنّه، وهذه حقيقة، مازال يسعى محاولاً ايجاد مخرج لأزمة ليست من صنع يديه، إلا أن سوء تدبيره زادها سؤاً.

في الأسبوع الماضي، كان السيد جونسون وأعضاء حكومته، يقفون مصطفين بظهورهم إلى جدار أخير، مستسلمين إلى قدر لا يعرفونه، لدى تأكد الأخبار بعودة انتشار الوباء، وفشل حكومتهم في توفير اختبارات الفحص التي وعدت بها المواطنين. كانوا واقفين، يتلقون بصدور مفتوحة سهام نقد مسمومة، تنهال عليهم من كل حدب وصوب.  وبالذات من وسائل اعلامية، معروفة بولائها لحزب المحافظين تاريخياً. مجلة (The Spectator) المحافظة، التي ترأس تحريرها السيد جونسون في فترة سابقة، صدرت في عددها الأخير، في الأسبوع الماضي، وقد حمل غلافها لوحة مرسومة تمثل بحراً بأمواج متلاطمة، وفي آخرها، ومن نقطة بالكاد تُرى، تظهر صورة قارب صغير، بلا مجاديف ولا دفة، ولا تبدو من ملامح وجه راكبه  وهو يجاهد للحفاظ على توازنه، سوى خصلة شعر شقراء، في اشارة إلى السيد جونسون رئيس الوزراء. وفي وسط اللوحة  كتب عنوان ببنط كبير أسود على صيغة سؤال: أين بوريس؟  وفي الواقع، مثل ” حكاية حكومتين”، تحوّل السيد بوريس  جونسون، إلى بوريسين: واحد مليء بالطموح والجرأة والمبادرة والظرف، وهذا أختفى مثل فص ملح وذاب، ولا يعلم أحد  إلى أين، أومتى يعود؟ وآخر متوفر، يدور في كسبرة، وينتف في شعر رأسه، بعد ان كادت الأزمة  تقضي عليه شخصياً وفعلياً. ومع ذلك، يبدو أن السؤال على غلاف المجلة لا يتعدّى أن يكون مجرد ثقل على ظهر حصان. والسبب أن بريطانيا ليست الدولة الغربية الوحيدة التي أربكتها أزمة الفيروس الوبائي، وليست الدولة الوحيدة التي يقف اقتصادها على حافة هاوية سحيقة. الأزمة جاءت لتفضح حكومات الغرب، ولتعرّي ساسته، ولتكشف هشاشة البنية التحتية الصحية، وما تعرضت له من أهمال، منذ الأزمة المالية في العام 2008 وحتى يومنا هذا. ولأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وإلى أن يتمكن العلماءُ والخبراءُ المختصّون في مختبراتهم من اكتشاف لقاح يقضي على الوباء، فإن الوقوع في الهاوية اقتصادياً لا مفرّ منه. الاغلاق العام الذي شاهدناه هذا العام ، لجميع القطاعات الاقتصادية، سبب انهياراً اقتصادياً لا مثيل له، إلا أن الحكومات الغربية تحركت سريعاً لتدارك الموقف عبر ضخ المليارات من الجنيهات للحدّ من خطورة تداعياته، وتأثيراتها السلبية اقتصادياً وسياسياً.

الوباء، هذه الأيام، عاد مجدداً، وبشكل مخيف. وآخر الاخبار تؤكد  على أن كل الحكومات الغربية  كجمل طاحونة يدور في نفس المكان، ولا يعرف متى تحين الراحة.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …