منصة الصباح

السؤال

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

ما أعظم انجاز حققته البشرية منذ بدء مسيرتها إلى اليوم؟

لو سئلتُ هذا السؤال في مرحلة مبكرة من عمري، وتحديداً “أيام الهبال بالكورة”، لكانت اجابتي واضحة وسريعة: كرة القدم. لكن تلك مرحلة عمرية ولتْ وأنقضتْ بما لها وما عليها، وما بقي من “هبال الكورة” من تلك المرحلة المبكرة، أضحى الآن تحت السيطرة، وهو سرّ لا يعرفه إلا الأصحاب، وصار الآن معروفاً للجميع.

في مرحلة لاحقة زمنياً للأولى، لربما كان جوابي على السؤال أعلاه: الشعر والقصة والرواية، هم الأولى بذلك الفخر. وهي مرحلة تعدّ عقلانية إلى حد ما لدى المقارنة بالسابقة، وربما تمثل نقلة نوعية في تفكيري وادراكي. علاقتي بالشعر والقصة والرواية ازدادت وثوقاً وعمقاً بمرور الوقت، لكن إجابتي عن السؤال أعلاه اختلفت بتقدمي في العمر، وانتقلت إلى جهة أخرى.

وبعدها تتالت المراحل، ومعها ضاعت مني الخريطة لفترات تطول وتقصر زمنيا، وحضر مكانها “ذهاب الشيرة”، وباقي القصة معروفة.

لكن ماذا عن اختراق الانسان لمجاهل الفضاء والوصول إلى سطح القمر؟ ألا يستحق أن يكون ذلك الإنجاز في المرتبة الأولى؟ و الرسم والنحت أين موقعهما على القائمة؟ وأين تتموضع اللغة في سلم الإنجازات البشرية؟ والأديان؟ والسينما والمسرح والموسيقى؟ الأمر محيّر قليلاً.

والإنجازات البشرية، تبدو لي، مثل حلقات في سلسلة طويلة، واحدة تقود إلى أخرى، ولا تقل عنها أهمية. آه .. عذراً نسيتُ الانترنت؟ هل يمكن أن تكون الانترنت أعظم ما حققت البشرية من إنجازات؟ ولما لا؟ نحن جميعاً، أقصد شعوب وأمم الأرض قاطبة، لن تستطيع أن تعيش بدون انترنت.

جرّب أن تستيقظ يوماً من نومك صباحك، وتكتشف أن الانترنت مقطوعة. قد تتحمل الانقطاع لساعة أو اثنتين، ليوم او ليومين، وبعدها ستصاب بالجنون. على أنني في هذه السطور سوف أجرؤ بالقول إن بقاء الجنس البشري والحضارة البشرية على قيد الحياة، أعظم انجاز حققه بني الانسان.

هذا القول نابع من معرفة بالقوة التدميرية الهائلة التي تمتلكها الدول العظمى، من أسلحة نووية وغيرها من الأسلحة الفتاكة المدمرة، واضعين في الاعتبار كذلك الصراعات الدولية التي يشهدها العالم وتفاقمها. كارثة الحرب النووية القاضية والفانية، كادت تحدث في الستينيات من القرن الماضي، فيما صار يعرف بأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا.

لكن الله لطف، وأستجاب القادة السوفييت لنداء العقل، وتراجعوا من الأراضي الكوبية ساحبين معهم صواريخهم، وكفوا بذلك البشرية شرّ الفناء.

ما حدث خلال تلك الأزمة المهددة للبشرية ولحضارتها ولكوكبنا الأرضي ليس من السهل نسيانه. ويقودنا إلى استنتاج مفاده أن الحياة على كوكب الأرض ليست معلقة على قرن ثور، بل معلقة في خيط أوهن من خيط عنكبوت، ممثلاً في ضغطة واحدة بإصبع على زر اطلاق في منصة صواريخ نووية. وبالتالي، فإن نجاتنا من الموت، وفناء الحضارة الإنسانية ليس بيد القدر، بل بالأصح بأيدي ساسة مجرمين برخص، يحظون بمزايا السلطة وصلاحياتها، ويمسكون بمقاليد الأمور وإصدار الأوامر في البلدان النووية. ومن هنا جاءت إجابتي على السؤال أعلاه.

وهو أن بقاءنا على قيد الحياة وبقاء الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية على سطح الأرض إلى حدّ الآن، يعدُّ، في رأيي، أعظم انجاز حققته البشرية. ولكم حق التعليق والاختلاف.

شاهد أيضاً

السائح و القوي يبحثان الاعداد لمؤتمر علمي حول فض المنازعات الانتخابية

الصباح عقد صباح اليوم الاربعاء اجتماع بين رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح …