جمعة بوكليب
زايد…ناقص
أنا على وعي ومتابعة مستمرة بما ينشر من تقارير في وسائل الاعلام حول الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الجارة تونس، وانعكاس ذلك على أحوال شعبها، ومستويات المعيشة سلبياً. لكن تونس ليس وحدها من تعاني اقتصادياً.
فالمركب ممتليء يَعجُّ بأمثالها. ونظرة واحدة إلى ما يدور في البلدان المجاورة، بل وأبعد، ومن ضمنها بلادنا ليبيا، كفيلة بتوضيح الصورة، وكان الله في العون.
في السنوات الأخيرة، صرتُ كثير التردد على مدينة تونس. الفضل في ذلك يعود إلى الإخوة – الأعداء من بني وطني، الله لا يوفقهم، في سعيهم الحثيث إلى تحويل ليبيا إلى خرابة، وكانت البداية بحرق مطار عاصمتها.
في الأيام القليلة الماضية زرت مدينة تونس ليس كالسابق بغرض استخدامها محطة عبور في رحلاتي إلى طرابلس، بل للبقاء والاستمتاع بحضور أيام مهرجان قرطاج المسرحي – الدورة 25.
هذه المرّة الأولى التي تمكنت فيها من حضور المهرجان الدولي، رغم الدعوات التي كانت تصلني في أعوام مضت من أصدقاء ليبيين.
ولا أستطيع أن أشير بإصبع إلى سبب محدد حال بيني وبين تلبية تلك الدعوات الكريمة. وفي الوقت ذاته، لا أستطيع القاء اللوم على مشجب تعكر المزاج أو سوء الظروف. لكن الدنيا أحوال، والنفوس أحوال، وربي يصلح الأحوال.
زيارتي الأخيرة إلى مدينة تونس، كما تميّزت بتغيّر في الهدف منها، تميّزت كذلك بطول الإقامة، لدى المقارنة بما كان يحدث معي في السابق، إذ تعدُّ الأطول. قضيت فيها قرابة أسبوع، والشكر في ذلك موصول إلى صديقين عزيزين، تعهداني بحسن الضيافة وأُنس الرفقة. بالأضافة إلى ذلك، لعب الطقس دوراً لا يمكن نكرانه. ولله الحمد.
ومن خلال الوقت القصير الذي قضيته، وما رصدته بوعي، لدى حضوري بعض العروض المسرحية، تأكد لي أن تونس بخير مسرحياً وثقافياً.
برنامج المهرجان يقوم على عرض عدة مسرحيات يومياً – 10 تقريبا- في عدة مسارح تتوزع في أنحاء العاصمة. اللافت أنها مسارح متنوعة الأحجام، ومجهزة بأحدث التقنيات. والأهمُّ أن روادها من أعمار مختلفة ومن الجنسين، وإن كانت النسبة الأكبر من الشباب بين سن العشرين والثلاثين. والحضور النسائي واضح.
المسرح أبو الفنون وأقدمها، وأستاذ الشعوب، وعلامة من علامات التحضر والمدنية. والذين يعادون المسرح يفعلون ذلك لأنّهم على وعي وادراك بالدور التنويري الذي يقوم به في توعية الناس وتطويرهم.
وتبيّن لي أن مسارح العاصمة تونس موروثة من العهد الاستعماري الفرنسي. إلا أن الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى الوقت الحاضر دأبت على صيانتها ورعايتها وتطويرها بتزويدها بكل ما يستجد في عالم تقنية المسارح عالمياً. كما لفت نظري العروض المسرحية التي تقام في الشوارع وفي ساحات الفضاءات الثقافية، وتستقطب الجمهور من كل فئات المجتمع التونسي، وتشع البهجة والحبور أينما وحيثما أقيمت. كل ذلك جعلني متيقّناً أن تونس متميّزة حقاً، وأنها ثقافياً بخير وعافية لدى المقارنة بغيرها من الدول المجاورة.
فالشباب من الجنسين الذين رأيتهم يصطفون في طوابير طويلة لمشاهدة العروض المسرحية، تؤديها فرق قادمة من بلدان عدة، ليس مجرد مصادفة، بل دليل على وعي تجذر في عقولهم وأفئدتهم بأهمية وبحب الفنّ والأدب والثقافة والمسرح. هنيئاً لتونس بشبابها، وبمسارحها.