محمد الهادي الجزيري
قرأت جلّ القصص المدرجة ضمن هذه المجموعة ..واستنتجت أنّها متون خاصة بنساء متنوعات لهنّ مشاكلهنّ الحياتية ..، وقد تطرقت الكاتبة نجاة الشافعي لأهمّ المعضلات التي تعترضهنّ ..، ولكنّي سأنطلق من قصة شدّتني لما فيها هموم يعرفها الواحد منّا ..ألا وهي المصائب التي تُسمى بأدوات التواصل الاجتماعي والتي نتخبّط فيها على مدار الساعة، وقد عنونتْ القصة ب ” تحت الإقامة الاختيارية ” نفس العنوان المختار للمجموعة ..، ممّا يفسّر ويُبيّن مدى المعضلة العويصة المطروحة في هذه القصة..، ففي الصيف تدخل الشخصية السردية في السبات الصيفي ..وتتهاطل عليها المشاكل من أقاربها ومعارفها ومن الانترنات التي صارت شيئا رئيسيا في حياتها ..وفي حيوات الخلق العالمي ..، وإن كانت الفقرة المختارة لتوضيح هذه الفكرة مأخوذة عن الالتزامات القاتلة والمهينة : ” المسؤوليات الكثيرة التي تطاردها كل يوم والمجاملات في المدرسة حيث تعمل مع المديرة والمعلمات والموجهات والطالبات وأمهاتهن ومع عائلتها وعائلة زوجها والجيران والأقارب تعتصر روحها وتدمي قلبها كذلك التفاهة والخواء والدجل في الإعلام والتملق المتواصل للآخرين في وسائل التواصل الاجتماعي..” قصة أخرى شدّتني في هذه المجموعة ، عنوانها ” سرّ ذات الشعر الأبيض ” ، فهذا شأن من شؤون الأنثى وهو عملية صبغ الشعر..وكم عانت النساء من هذه المشكلة وبروز الشيب في سنّ الكبر..، بل إنّ البعض منهنّ يصبن بهذه العاهة مبكّرا مثل الشخصية الواردة في القصة ..فقد دأبت على صبغ شعرها في المدرسة الثانوية وفي فترات متفاوتة دون جدوى وخلاصة القول : العبرة التي يمكننا أخذها من هذه الحكاية …أن الشعر الأبيض جميل ولا بدّ من قبوله حين يهلّ علينا ..فكلّ عمر له لونه وتلك هي الحياة : ” لا يوجد سرّ خطير وراء قرارها الشاذ عن عرف المجتمع بما يتعلق بالأنثى وتاج جمالها ألا وهو شعرها، كل ما في الأمر ببساطة أنه عندما بلغت الخمسين قررت ألا تصبغ شعرها على فالإطلاق سئمت من خداع نفسها والآخرين، والوقت والمجهود الذي تبدده ليبدو شعرها في حلة مصطنعة ملونة تُصَغِّرُها عدة أعوام، عندما اتخذت قرارها ذاك كان الشيب قد غزا كل خصلة وكل شعرة، وأحال ما كان يومًا ما أسودَ حالكًا كثيفًا بياضًا هشًّا رقيقًا مثل الجليد الذي لم تَرَهُ إلا في الصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية؛ لأن في بلدها الصحراوي لا يسقط الثلج أبدًا! ” وهنالك قصص أخرى جديرة بالقراءة ..إذ أنّ الكاتبة مهمومة ب “نسويتها” فكلّ متن جديد عبارة عن قضية أخرى من قضايا المرأة العربية خاصة ..، فثمّة مشكلة المخطوبة التي يلهو بأعصابها الرجل الخطيب ، وثمة المعلّمة التي لا تفكّر في أمر الزواج ..، وثمّة كلّ شيء يخصّ المرأة وعاداتها وخاصة تقاليدها ..، إذن يمكن القول أنّ نجاة الشافعي نجحت في استقطاب اهتمامي بهذا المتن السردي وإن كان أوّل إصدار لها ..، فقد أفلحت في طرح المواضيع الحياتية لبعض النساء وحاولت العيش بداخلهنّ مع اختلاف رتبهنّ وتنوع بيئتهنّ ..، الأهمّ أنّها أخلصت لذاتها وعالجت قدر المستطاع ..وقد كتبت في المقدمة كلمة ضافية وهي خير ما أختم به هذه الاطلالة الشيّقة على ” تحت الإقامة الاختيارية ” : ” هذه المجموعة القصصية هي الباكورة الأولى من أعمالي لكنها تمثّل مسيرة غنية في السرد القصصي حيث بدأتُ أنشرها إلكترونيًّا في مواقع متعددة منذ 2005، وعندما أسست موقعي الشخصي في صيف 2010 نشرت بعض القصص فيه، بينما بقيت أخرى حبيسة الأدراج، والآن جمعتُ بعض ما كتبته من القديم والحديث بين دفتي مجموعة قصصية بعنوان: تحت الإقامة الاختيارية!، هذه القصص الأربعون ومضات تلقي الضوء على جوانب من حياة نساء يعشْنَ في عوالم مختلفة لكن تتوحَّد أحلامهن في الرغبة لتغيير واقعهن من أجل صنع ذوات أفضل وعيش حياة أجمل. “