تجربة المريض ( patient Experience ) من الركائز المهمة والجوهرية في تقديم رعاية صحية شاملة وفعالة ، وتعتبر مؤشر على جودة وفعالية النظام الصحي الذي يسهم في تحقيق رعاية صحية تتموحر حول المريض ، وهي مجموعة الانطباعات والمشاعر التي يكونها المريض في رحلة تفاعله مع حزمة الخدمات الصحية التي يؤمنها النظام الصحي ، وسهولة الوصول إليها والحصول عليها ، وبيئة الرعاية من نظافة وترتيب وانشراح وتهوية واضاءة وغيرها ، وأساليب التواصل وجودتها خلال مسيرة العلاج مع الكوادر الإدارية والصحية والخدمية ، ودرجات الاحترام والتعاطف والخصوصية والكرامة والأمان والشفافية ، ومدى المشاركة في اتخاذ القرار وخطط العلاج المقررة.
وتجربة المريض تعتبر عنصر إستراتيجي مهم في تطوير وتحسين جودة الخدمات الصحية ، وتعتمد على ثقافة المريض الصحية لإنها هي العامل الأساسي في تفعيل مفهوم تجربة المريض الواعي بحقوقه وواجباته ، والمتفهم لدوره المحوري في رحلة العلاج ، ولهذا تأتي الثقافة الصحية والتوعية الصحية المجتمعية من أولويات النظام الصحي ، وتجربة المرضى تتفاوت نتيجة عوامل عدة نفسية وصحية واجتماعية وثقافية واقتصادية ، وتحتاج إلى التوازن بين الموضوعية والتجربة الذاتية ، والتفريق بين المفاهيم الأساسية والتركيز على الوقائع القابلة للقياس بأدوات التقييم المنطقي مثل الاستبيانات المبنية على الأدلة والاستبيانات النوعية والتفسيرية لفهم السياقات العاطفية ، والمقارنة بين التوقعات والتجربة ، وقياس الفجوات بينهم مع دمج التقييم العاطفي مع التحليل العقلاني ، وتحليل التفاوتات على خلفيات الفروقات في التجربة بناء على النوع والعمر والحالة الصحية والخلفية الثقافية ، مع ضرورة الربط بين البيانات السريرية لمقارنة التجربة مع النتائج ، والتقييم المنطقي لتجربة المرضى يتطلب أدوات قياس معيارية ومحايدة ، وبيانات نوعية وكمية ، وفهم تام وعميق للخلفيات الثقافية والاجتماعية والنفسية ، وفي المجمل تحليل الانطباعات يوفر بيانات مهمة تساعد في تحديد مواطن القوة والضعف ومجالات التحسين في النظام الصحي.
ولهذا فإن التجربة الإيجابية تعزز الإلتزام بالعلاج والخطط العلاجية وتزيد من فرص التعافي ، وتعزز الثقة في النظام الصحي ، وتساهم في الارتقاء بكفاءة النظام وتحسين الأداء الإداري والطبي والخدمي ، وتحسن بالضرورة الرضا العام ، ما يعزز من الروح المعنوية لدى الكوادر الصحية ، ولهذا يتم التركيز على ضرورة تضمين تجربة المريض في النظام الصحي وادماج التجربة في الرؤية والسياسات الصحية ، وجعل التموحر حول المريض أولوية إستراتيجية ، وتضمين مؤشرات التجربة في الخطط الوطنية والاسترتيجيات الصحية ، وسياسات صحية تلزم المؤسسات والمرافق الصحية بقياس وتحسين تجربة المريض ، وإنشاء إدارات مختصة في ذلك في كامل تسلسل الهياكل التنظيمية من قمة النظام الصحي إلى أصغر نقطة فيه ، تعمل على تحقيق رضا المرضى وتستقبل الشكاوي وتحلل البيانات ، وهذا يتطلب تدريب وتأهيل الكوادر الصحية على مهارات التواصل الفعّال ، والتعاطف وفن الاستماع ، واحترام الخصوصية وصون الكرامة ،
وهذا يحتاج لإدماج تجربة المريض في مناهج التعليم الطبي والتمريضي والفني ، واستخدام الوسائل والوسائط التكنولوجية لتسهيل الوصول والحصول على المعلومات والخدمات الصحية ، مع ضرورة إدماج التجربة في مؤشرات الأداء وربطها بالحوافز والتقييمات الوظيفية ، وكل هذا يساهم في بناء نظام صحي يتمحور حول الإنسان ، ويضمن تجربة علاجية آمنة وسهلة وانسانية ومحفزة ، ويرسخ ثقافة الرعاية المرتكزة على المريض تدعم التعاطف والإحترام والكرامة والخصوصية ، وتدمج التجربة في الحوكمة ، وهذا ما تأسست عليه الخدمات الصحية بمستشفيات العالم العربي والاسلامي منذ ثمانية قرون بتوفير العلاجات الناجعة والأطباء المهرة والفصل بين التخصصات والنوع ، وتقديم أطيب الاطعمة ، وتوفير المكتبات والموسيقى ، وتعويض المرضى عن فترات العلاج والنقاهة ، وتطبيق نظام الحوسبة ، والتي تأسست عليه مفاهيم النظم الصحية والمستشفيات في العالم ..
إن تجربة المريض ليست خيارًا ثانويا بل عنصر استراتيجي مهم في تطوير وتحسين الخدمات الصحية ..