ترجمة /عمر أبو القاسم الككلي
نتمشى كل صباح بخطى متناغمة كلب مسن وامرأة عجوز يوحدنا الرسن، في رحلات صامتة عبر شوارع الريف. يبعث عصف التنوب في غابتيْ رِدوود ودوغلاس، في الشتاء، زفرات تدفعنا قدما. السماء خلفية متحركة من أصفى الألوان الوردية وأجلى أنواع الزرقة التي تكون في عيون المولودين توا. هذه الجلالة كافية لشرح لماذا يعتقد الناس أن الفردوس في السماء. الضباب يَصَّاعد فوق أفق من أشجار الصنوبر.
على الطريق فأر ميت، ضئيل، مهزول، فروه رمادي. يبدو نائما، لولا النزيز الأسود تحت رأسه. أسحب مارفي بعيدا، وأنفه يقوده باتجاه الرائحة.
في الصباح التالي نرى ثعبانا مداسا على الرصيف، تلمع حراشفه في ضوء الصباح الباكر. لم يكن جلده تالفا، كزهرة داست عليها عجلات سيارة أو شاحنة. وأثناء ما أجذب مارفي بعيدا عن القتل، أرى حركة. ظل رضيعة، تجثم عاليا في شجرة تنوب لينة طويلة. إنها التماعة، خيال. أظلل عينيَّ بيدي، ولكنها زالت- خيال.
الخروج التالي، برد قارس، الضرب صعدا في طريق أركاديا مضن. فرو مارفي يتموج عند شاكلتيه بفعل الريح. أتساءل، للمرة المليون، إلى أي حد ستكون الحياة مختلفة، لو أن الطفلة ولدت. أرتجف بردا وبسبب أفكاري السوداء.
« الأفضل أن نقوم بجولة خاطفة، يا مارفي» أقول. تهز الريح الأشجار فتحدث هذه حفيفا مخيفا متفجرا. سماوات الفجر منبسطة ورمادية.
على الطريق يجثم، دون حراك، عصفور صعو جريح. أشد مارفي إلى الخلف، وأنا أرفع الصعو. ينتفض قليلا. أنقله بعناية إلى حافة الطريق غير المرصوفة المعشبة فيستقر جامدا، في حين يتوزع ذهني بين تركه ليتعافى في الطبيعة، أو أخذه معي إلى البيت. استثير انتباه مارفي بحدوث حركة في الأشجار.
تظهر الرضيعة في شجرة التنوب مرة أخرى. لا مجال للخطأ. تجثم عارية ومتوردة فوق فرع خارجي. تموجات شعرها المتضامة عسلية اللون وعلى وجهها تظهر غمازات البهجة وهي تلوح بقبضتها الصغيرة.
تبدأ بصدري، وتتفجر في أذنيَّ، مالئة فمي وأنفي. رأسي يُصدي بهسيس الريح والصرخات التي لابد أنها ولدت بحلقي الضيق.
لسنوات وأنا أتساءل ماذا كانت، طفلتي هذه، ستشبه. تلوح في ابتهاج فأرد برفع يدي، كما لو أن أصابعنا المومئة تغزل خيطا، يربط بيننا إلى الأبد. إنها تنتظر، صرت أعلم ذلك الآن.
يختفي شبحها، ثم يبين، داخل وخارج أوراق الغابة ذات الألوان المختلفة.
عند قدميَّ، يخطو العصفور بضع خطوات متعثرة، وأمسح وجهي المبتل بكم قشابيتي. حين أنظر خلفي تتأرجح الأغصان الخالية من الثمر، المحتشدة بالإبر، ملوحة. يرتفع الصعو في دائرة مضطربة مرتجلة. ثم يعلو، مسنودا بالريح، عاليا بين الأشجار.
(*) Beverly Jackson أديبة أمريكية تكتب القصة والرواية والشعر، كما أنها رئيسة تحرير أكثر من مجلة أدبية ألكترونية وممثلة سابقة.