كلمة
فتحية الجديدي
كمدنيين أردنا أن نعيش في أمن واستقرار, بالمستوى الممكن تحقيقه, في ظل التجاذبات بالساحة المحلية، ولم نطمح يوماً للدخول إلى هوجة التكالب السلطوي, وكنا فيها من الزاهدين.
كانت لنا أحلامنا الصغيرة وحياتنا البسيطة المطالبة باحترامنا كبشر والتمتع بحقوقنا الإنسانية ، غير معنيين بقوائم الأسماء والتشكيلات ومصادر القوة الغالبة والبعيدة كل البعد عن المنطلقات الإنسانية.
نحن أبسط مما يتوقع المتصارعون على السلطة .. أناس يصحون باكرا ويتناولون قهوتهم ليقصدوا أماكن عملهم, ثم يئيبون ومعهم كيس صغير يحتوى حاجيات أسرهم الأساسية وقوت يومهم.
لا خطط لنا أثر من تحسس دفء السعادة الأسرية وملاقاة الأهل والأصحاب, أو ممارسة رياضة المشي في أزقة وشوارع مدينة احتضنتنا بمجانية الحب وصدق شوارعها, التي لم تكرس يوماً للكره, أو لندلف سياراتنا, للمضي بنفس الطرقات التي حفظتنا عن ظهر قلب, قبل أن نحفظ تفاصيلها ونشكي لها هموما أثقلتنا سنوات, وهي تهون عنا بملامحها الصامدة رغم التشويه والعبث وتنطق بأصوات أبنائها بخفوت وحياء, بأن هذه الأرض لنا ولعنة الكراسي تقضي على عُبًادها.
هواء طرابلس لم يكن فقط أكسجيناً يضخ عبر رئتينا لتتنفسه خلايا أجسامنا .. بل هو أكسير الحياة ومعناها بالنسبة لنا.
ناس أنقياء وعاديون يمشون على الأرض, يفترشون أحلامهم وسقفهم الأمان, الذي ينتزعه كل مرة الأشقياء عنوة ، هؤلاء لاتعنيهم السيارات الفارهة و”اللبوات المصفحة” والمباني الفخمة المشيدة, ولا الأرزاق المغمسة بالدم, ولا تتواجد تصفية الحسابات القديمة ضمن خططهم, إلا أنهم أبرياء يدعون ثمن كل ذلك.
نحن نفتقر للابن والأخ, الذي يمسح دمعة أخته لمجرد أنها اشتاقت لأخيها أو أبيها .. وإلى زوج يحضن أسرته ويوفر لها الأمان، ما أحوجنا لرجال يزفون لنا أخبار الفرح, وليس مدونين ينشرون في وجوهنا تعازي أبناء هذه المدينة التي تستحق العشق ، والشوارع التي سكنها السواد, بعد أن كانت تزين قلوبنا بـ”الزهر والحنة”.