د. علي عاشور
ها هو شهر القرآن على نهايته، وها هي أيامه ولياليه قد أزفت على الرحيل، هي حقاً أياماً معدودات، اجتهدت الناس فيها على فعل الخيرات؛ لتحصيل أكثر ما يمكنهم من الدرجات التي تنفعهم في دنياهم وبعد الممات، فصاموا وقاموا الليل وقدموا الصدقات…. وتعبدوا لله بكل الأعمال التي تجلب الحسنات.
في المقابل بدأت منذ أيام شريحة من الناس بترحيل المشاريع والأعمال إلى ما بعد هذا الشهر الكريم، فمن منا لم يسمع هذه الأيام عبارات: بعد رمضان… بعد العيد… بعد رمضان نكملها- حنبدأ بعد رمضان … حنخدمها بعد رمضان…. وغيرها من أخوات هذه عبارات؟، وكأن شهر رمضان ليس موعداً للعمل وإتمام المهام.
تعطيل كل الأعمال إلى ما بعد رمضان… استراتيجية تتبناها شريحة لا بأس بها من أبناء ليبيا، فهي ليست عادة المسؤولين وحدهم، بل طالت جميع الشرائح المجتمعية، فعبارة بعد رمضان أو بعد العيد يحفظها ويرددها ويتبعها الجميع لتأجيل كل شيء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
من جانب أخر… نرى أن عينة من صائمي هذا الشهر، ممن كانوا يجتهدون في جمع الخيرات بكل ما هو حميد ومستحب، يتوقفون على فعلها بعد هذا الشهر، وكأن رب شهر رمضان غير رب بقية الشهور، ليس هذا فحسب بل إن منهم من يستعجل العودة إلى المعاصي منذ اللحظات الأولى للإعلان عن العيد….فتراه يرجع للحياة التي سبقت رمضان من التقصير في جنب الله واقتراف الذنوب والآثام فيعود لشرب الخمر وتعاطى المخدرات من ليلة العيد، وكأنه مسرور بانتهاء الشهر الكريم بدلاً من حزنه على توديعه…. فالله الله في أنفسكم… فلا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.