منصة الصباح

الوطنية‭ ‬ومفهومها

بقلم /إبراهيم‭ ‬تنتوش

الكثير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والكُتّاب‭ ‬والأدبيين‭ ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬المفهوم‭ ‬العام‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بالوطنية‭.‬
فالوطنية‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬هي‭ ‬ارتباط‭ ‬الفرد‭ ‬بالمكان‭ ‬الذي‭ ‬وُلِدَ‭ ‬فيه‭ ‬وتعلّق‭ ‬به‭ ‬وبالتالي‭ ‬ينسب‭ ‬نفسه‭ ‬إليه‭ ‬وإلى‭ ‬تراثه‭ ‬وثقافته‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده‭ .‬
فالمواطنة‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬ارتباط‭ ‬وميثاق‭ ‬وقانون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الفرد‭ ‬والدولة‭ ‬وماهي‭ ‬الواجبات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬المواطن‭ ‬تجاه‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬وبالمقابل‭ ‬ماهي‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ( ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬القائمة‭ ) ‬توفيرها‭ ‬للمواطن‭ .‬
إذن‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬مشاعر‭ ‬وأحاسيس‭ ‬تتكون‭ ‬لدى‭ ‬الفرد‭ ‬ليتولد‭ ‬منها‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬والولاء‭ ‬لذلك‭ ‬الوطن‭ ‬فيفرح‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬للوطن‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬ورقي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬ويحزن‭ ‬لما‭ ‬يصيبه‭ ‬من‭ ‬مآسي‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬كبيرة‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬العمق‭ ‬العاطفي‭ ‬والنفسي‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬السلوك‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬فهو‭ ‬تأدية‭ ‬الواجبات‭ ‬لأجل‭ ‬نمو‭ ‬الوطن‭ ‬وتطوره‭ ‬وازدهاره‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مقدارته‭ ‬وثرواته‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكروه‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬وعدوان‭ ‬يصيبه‭ .‬
وكما‭ ‬أشرنا‭ ‬سابقاً‭ ‬للمواطن‭ ‬حقوق‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬تأديتها‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬وأعظمها‭ ‬هو‭ ‬توفير‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬له‭ ‬والمساعد‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬فُرص‭ ‬عمل‭ ‬لكسب‭ ‬قوته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ .‬
فالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭ ‬علاقات‭ ‬متبادلة‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬مسألة‭ ‬كبيرة‭ ‬وخطيرة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الانتماء‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬،‭ ‬فهناك‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يولد‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬له‭ ‬ولاء‭ ‬لذاك‭ ‬الوطن‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬ليبيا‭ ‬فنجد‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬وُلِدُوا‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ولكن‭ ‬ولائهم‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬خارجية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تملي‭ ‬عليهم‭ ‬ماذا‭ ‬يفعلون‭ ‬وهم‭ ‬لأجندات‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬يعملون‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬نجد‭ ‬مواطنين‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مولودين‭ ‬خارج‭ ‬ليبيا‭ ‬ولكن‭ ‬ولائهم‭ ‬المطلق‭ ‬الكامل‭ ‬لليبيا‭ ‬وهنا‭ ‬مربط‭ ‬الفرس‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ .‬
ولترسيخ‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬يكون‭ ‬الثقل‭ ‬الكبير‭ ‬والمسؤولية‭ ‬العظمى‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الأبوين‭ ‬أولاً‭ ‬ومدارس‭ ‬التعليم‭ ‬ثانياً‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬اعطاء‭ ‬الأهمية‭ ‬القصوى‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬تعليم‭ ‬الأجيال‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬الانتماء‭ ‬إليه‭ ‬والولاء‭ ‬له‭ ‬بالأخص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬العولمة‭ ‬ولايعني‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬ندعوا‭ ‬إلى‭ ‬الانغلاق‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬بل‭ ‬ننطلق‭ ‬وفق‭ ‬أسس‭ ‬وقواعد‭ ‬قوية‭ ‬وقوية‭ ‬جداً‭ ‬خلافاً‭ ‬لما‭ ‬نلاحظه‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬البعض‭ ‬يقول‭ ( ‬وايش‭ ‬حصلنا‭ ‬احنا‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ) .‬
ونسي‭ ‬السؤال‭ ‬المقابل‭ ‬لسؤاله‭ ‬وهو‭ ‬ماذا‭ ‬قدمت‭ ‬أنت‭ ‬للبلاد‭ ‬حتى‭ ‬تعطيك‭ ‬ماتريد‭ ‬؟
إذن‭ ‬الوطنية‭ ‬بمفهومها‭ ‬الشامل‭ ‬ليست‭ ‬ضد‭ ‬التقدم‭ ‬والحضارة‭ ‬ولاتعني‭ ‬الانغلاق‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بلا‭ ‬غرور‭ ‬ودون‭ ‬نسيان‭ ‬لموروثنا‭ ‬الثقافي‭ ‬والديني‭ ‬الذي‭ ‬نتمتع‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬فالوطنية‭ ‬هي‭ ‬شعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬النجاح‭ ‬وعطاء‭ ‬بلا‭ ‬انتظار‭.‬
إن‭ ‬منطق‭ ‬الأخد‭ ‬دون‭ ‬عطاء‭ ‬والانتظار‭ ‬دون‭ ‬عمال‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬تخلفنا‭ ‬هو‭ ‬مشكلة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬شبابنا‭.‬
إذن‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نُربي‭ ‬عليها‭ ‬أطفالنا‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬واسطة‭ ‬لا‭ ‬غاية‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬إنه‭ ‬للمواطن‭ ‬وليس‭ ‬المواطن‭ ‬لها‭ ‬فهي‭ ‬تسهل‭ ‬نموه‭ ‬الطبيعي‭ ‬والعقلي‭ ‬والأدبي‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬واجبه‭ ‬هو‭ ‬التقيد‭ ‬بالقوانين‭ ‬والنظم‭ ‬واللوائح‭ ‬إن‭ ‬أراد‭ ‬بصدق‭ ‬بناء‭ ‬وطنه‭ ‬،‭ ‬فحب‭ ‬الوطن‭ ‬ليس‭ ‬نشيداً‭ ‬تستعذبه‭ ‬لألحان‭ ‬وليس‭ ‬أعلاماً‭ ‬تتزين‭ ‬بها‭ ‬الشوارع‭ ‬والجدران‭ ‬ولاوقفة‭ ‬خشوع‭ ‬للأبدان،‭ ‬فالحب‭ ‬رخيص‭ ‬بهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬ولكنه‭ ‬غال‭ ‬وتقبل‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬عملاً‭ ‬وتضحية‭ ‬وإقداماً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرقي‭ ‬به‭.‬
فحب‭ ‬الوطن‭ ‬يكون‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمنه‭ ‬وسلامة‭ ‬ممتلكاته‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬ترويع‭ ‬أهله‭ ‬وإشاعة‭ ‬القتل‭ ‬والنهب‭ ‬والفوضى‭ ‬وجميع‭ ‬صور‭ ‬الافساد‭ ‬في‭ ‬ربوعه‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬غطاء‭ ‬كان‭.‬
وحب‭ ‬الوطن‭ ‬يكون‭ ‬بنبذ‭ ‬العصبيات‭ ‬والنعرات‭ ‬والتحزبات‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تفرقته‭ ‬وتمزيقه‭ ‬وتحول‭ ‬دول‭ ‬اجتماعه‭ ‬ووحدته‭ ‬كما‭ ‬يكون‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬باستغلال‭ ‬خيراته‭ ‬وثرواته‭ ‬وصيانتها‭ ‬من‭ ‬عبث‭ ‬المفسدين‭ ‬وخدمة‭ ‬أرضه‭ ‬ومن‭ ‬يعيش‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬ليستغني‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬البلدان‭ ‬وتكون‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬وقيمة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ .‬
هذه‭ ‬هي‭ ‬بعض‭ ‬المفاهيم‭ ‬لوطنية‭ ‬أهل‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬تحفظ‭ ‬الثوابت‭ ‬وتقوي‭ ‬الارتباط‭ ‬بشرع‭ ‬الله‭ ‬الحكيم‭ ‬لأنه‭ ‬هو‭ ‬المخرج‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الفتن‭ ‬والمصائب‭ ‬التي‭ ‬تحل‭ ‬بالأمم‭.‬
يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ :‬
وطني‭ ‬لو‭ ‬شغلت‭ ‬بالخلد‭ ‬عنه‮…‬‭.. ‬نازعتني‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الخلد‭ ‬نفسي‭ ‬
شهد‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يغب‭ ‬عن‭ ‬جفوني‭ ‬‮…‬‭.. ‬شخصه‭ ‬ساعة‭ ‬ولم‭ ‬يخل‭ ‬حسي‭ .‬

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …