كشفت دراسة لمركز أبحاث في واشنطن إلى أن من أكثر الشعوب التزاما بممارسة شعائرهم الدينية هي المجتمعات الإسلامية فقد ثبت أنهم أكثر التزاما بتعاليم دينهم من صلاة وصوم وزيارة بيت الله .، وفي المقابل في دراسة أجريت عن الدول الأكثر فسادا في العالم لنجد أن الدول العربية والمسلمة بين الأكثر فسادا حيث تصدرت دولة ليبيا المراتب الأولى . ألا يجب أن يكون الدين رادع ؟
تفشي الفساد دون أي رادع أخلاقي أو قانوني من موظف يرفض القيام بعمل ملزم به إلا بمقابل رشوة أو خدمة، مدراء مصارف يرشون العملاء ويختلسون أموال عامة، وكيل نيابة يستغل وظيفته ويأمر بحفظ أوراق دعوى لمتهم من أجل مصلحة معينة مستغلا بذلك صفته ، استغلال النفوذ لتولي المناصب ، إهدار مال عام على الممتلكات الشخصية ، جهة مختصة بإصدار قوانين و قرارات تسيء استعمال سلطتها وتصدر قرارات تناسب مصالحها ، كل هذه الأفعال تعد جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات الليبي ، وقانون الجرائم الاقتصادية رقم (2) ،وهي تندرج تحت مصطلح واحد ألا وهو الفساد .
ما سبب تفشي الفساد في المؤسسات العامة بليبيا على الرغم أننا بلد المليون حافظ لكتاب الله ؟ إلى جانب كثرة الأجهزة الرقابية المكافحة للفساد ؟
الفساد ضد الإصلاح وهو كمصطلح ليس حديث فقد ذكر في القرآن الكريم في مواضع عديدة وبمعاني عديدة إلا أنه من خلال الخطاب القرآني أولى اهتماما للفساد الذي تمارسه الجماعة أكثر من الصادر من الفرد في إشارة إلى خطورة الفساد الجماعي وتأثيره في فساد الأرض لقوله تعالى (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مصلحون ألا إِنَّهُم هم المفسدون ولكن لا يشعرون( .(سورة البقرة (وقوله تعالي(ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )”الأعراف : 85″.
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
سورة الروم الآية (41)
ففي هذه الآيات إشارة أن الفساد لا يرتكب إلا عمدا بوعي وإرادة ذلك أن المجتمع يكون في مواجهة قوة تسعى لنشر قيم نقيضة لجوهر الإسلام لذلك أعد الله لهم عذاب أليم.
ولعل خاتم الأنبياء والمرسلين كان سباقا في معالجة الفساد وتعزيز الوازع الديني وذلك بأن بادر بترسيخ القيم الإنسانية قبل أن يشرع في إقامة دولة ، فقد كان يعلم أن الفساد يبدأ في الضمير ، لذلك قبل أن يفرض العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحفظ للآيات القرآنية وتعليم الفقه الإسلامي ، بدأ بترسيخ القيم الإنسانية من أمانة وصدق و نزاهة في العمل والخوف وترسيخ مفهوم تقوى الله واستشعارها في السر والعلن ، فالقوة الفكرية والأيدلوجية التي حظي بها الدين الإسلامي في المدينة، والتي ساهمت في رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي لها .كان لها أساس متين أسست عليه في مكة .
إذا ضعف الوازع الديني إلى جانب ضعف الأجهزة الرقابية في القضاء على هذه الظاهرة أحد أهم أسباب تفشي الفساد، فممارسة الشعائر الدينية وإن كنا مطالبين بها كمسلمين ، ليست قرينة على توافر الوازع الديني ، فالفساد يبدأ بالضمير.
لا يمكن الوقوف على كافة الإشكاليات ولكن قبل القضاء على هذه الآفة التي تعيق النمو الاقتصادي والاجتماعي لا بد أن نبدأ ب لماذا ؟ وكيف ؟
يجب القضاء على الفساد ، لأنه يعد سبب للصراعات الداخلية وانهيار الدولة وفقدان سيادتها .ويكون ذلك بالسعي من الأسرة إلى المؤسسات التعليمية بترسيخ القيم الإنسانية والدينية من صدق وأمانة وإتقان في العمل ، إلى جانب اتباع خطة تتضمن نصوص قانونية رادعة ، وفضح كل متورط في جرائم الفساد وسرعة الفصل مثل هذه القضايا ، فلا بد أن يكون له الكلمة الفصل في تحجيم كل صور الفساد وإعادة تعديل كل نصوص القوانين التي تدعم بطريقة أو بأخرى تفشي الفساد داخل إطار قانوني بداية بالحصانة، ومحاولة مواكبة نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد باعتبار أن الدولة الليبية طرفا فيها.
ذلك أنه في الوقت الحالي الخطاب الديني وترسيخ القيم ومخاطبة الضمير لن يكون له ذات الأثر على الجميع .
بقلم : آمنة الهشيك / أستاذة قانون