“الإسقيط”!
حسام الوحيشي
بينما كان يتناول الرسالة الزرقاء من الحزمة، عدل جلسته، تصلب ظهره بما يكفي بالنسبة إلى صفحة واحدة. تصاعد عطرها النسائي في عقله. تنشق مغلف الرسالة الجديدة، يبدو عطراً بحرياً خفيفاً للذكور في شتاء عاصف. لم يتحمس، الحبر الأنثوي فاخر وأكثر تشجيعاً، لاحت على ركن شفته العليا سخرية، قال لنفسه: “اهدأ أيها الفحل” وغاص:
“أعوام في رحاب المسافات، اليوميات تصنع النص، على علبة تبغ، في دفتر، و الكشكول و الكراس و هكذا ، أبيض الكلمات بخط شبه واضح لتصل إلى الكاريكاتوري، ومنه إلى الحطاب ، تستقر ٱخيرا بين يدي الفتاة التي تختار ما لامس شغافها فيصل إلى الورق. الفضاء ملتقانا دائماً، نصف الدائرة كنت واعيا بها، النصف الآخر عرفته لاحقاً بالتفصيل، عندما أصبحت الأم الصغيرة سيدة المسارات. ما يحدث بعدها لا يغير للقلب تاجاً، ولكنه مازال ضرباً من الخيال، تنفست الرحاب قبل عقود ، و لكنها لا تخرج من بين الضلوع حتى لتتنفس ، محض أوهام عصية أنصت لها باستغراب، الخرافة تلوب مرتان، ثلاثة، ولا تصدق. توقفت الأوركسترا عن العزف، ما أفهمه أن الصدى مستمر، يتكرر، يدوم، يلتف، حتى يعود النبع، و تشتعل الفريسة تحت الأنياب مجدداً، الأعراض كاملة، القطمير لا ينقصها.
ارادة الخروج من الموجات العتيقة منبوذة، ذهبت في الموعد للقاء مع الضفة، لسبب لا أعرفه، خطوت إلى المصعد ورفعت رأسي فإذا بها أمامي بكامل زينتها، شريطها الساحلي، الموانئ الصغيرة، القوارب المطاطية، حتى مرساة المعدن الصدأة لم تفارق المشهد، الضفة كما تبدو في الصورة التي تنزوي في مقالها الأسبوعي بالصفحة الأخيرة.
– الضفة.
– وأنت البحار الصغير، أليس كذلك؟
الطابق السابع لضفة أخرى، قصدنا الخامس، جلست على صالون. قتل قطيع للحصول على جلد يكفيه، شعرت أنني في المدبغة، رائحة الجلد تجذبني، تمنيت أن تشعل الضفة سيجاراً كوبيًا لترصيع الكادر، لكنها لا تدخن.
– إذا أنت حقيقة.
-ابتسامة إحراج عميقة.
– لا، لم أقصد، حسبتك مقعداً أو عجوزاً.
-كشرت: “لست صغيراً”.
-أعرف، لكن عشبك يشي بالمزيد.
-شعري أبيض “بعثرته بيدي ليظهر الشيب”.
– ابتسمت : “لا يهم، يمكنك أن تبدأ ساعة تشاء”.
-انفرجت أساريرِي، ” هتفت ” غداً.
(افلتت منها ابتسامة) .
– الساعة، أقصد متى؟
-تعرف على الضفاف ، سيخبرونك.
“اختفت رائحة الجلد المدبوغ، تنشقت حبر رزم المطبوعات المكومة على المكتب، وسألتها:
-هل هي متاحة للجميع؟
افلتت ابتسامة ثانية: “بالنسبة لك هي متاحة من الآن”.
لم أسمع شيئاً بعد هذه الكلمة، كانت روحي تتجول وتقرأ العناوين وتختار ما يعجبها وأنا أرزح مكاني عقب برهة شخصت في عدد من مجلة نفرت تحت اناملها مباشرة.
قالت: “تحب هذه؟”
“هززت مشاعري جميعها وليس رأسي فقط”.
– خذها ومددت طرفها المائي لحملها ” حينها كان شطر جسدي ينحني على المكتب الضخم وينهبها ” ، وأنا اتمتم:
– سأعيدها قبل الزوال، سأعيدها.
فرت منها ضحكة دوت رافقها تعليق خفيض لكنني سمعته .
” همست : لن تعيدها إنك مدمن .