مفتاح المصباحي
تنصُّ قوانين المصارعة الحرَّة، على أن فوز أحد المُتصارعيْن يتطلَّبُ تثبيتَ الخصم دون حراك، وأن يعد الحكم ثلاث مرات..
إلا أن المقاومة الفلسطينية الباسلة، استطاعت بعملية “طوفان الأقصى” افتكاك القضية الفلسطينية من وائديها، بعد أن شارك العرب والغرب في وضعها بحفرتها، وتجهَّز كيان الاحتلال لردمها والتخلص منها، وتهيأت الأمم المتحد لإعلان خسارتها..
كثيرون انتقدوا المقاومة الفلسطينية، في قيامها بعملية طوفان الأقصى، وتعريض الشعب الفلسطيني للقتل والدمار، ولكن ما لا يعرفه أولئك المُرجفون السطحيون، أن المقاومة انتصرت بكل المقاييس، ولطخت وجه الاحتلال القميء بالتراب، وألحقت الخزي والعار بالدَّمى المنبطحة من عرب ومسلمين..
قبل طوفان الأقصى كان الاستعداد لإعلان تطبيع مملكة “آل سعود” مع الكيان المحتل، بعد أن عملت قطر والإمارات، بضغطٍ أمريكي، على جرِّ أرجُل شقيقتهما الكُبرى إلى مستنقع الاحتلال، وكان الإعلان عن تصفية القضية الفلسطينية قاب قوسين أو أدنى، ولم يكن هناك حديث عن دولة فلسطينية، أو دولة متعددة القوميات، بل كل الحديث والمساعي الدبلوماسية تصبُّ في دمج كيان الاحتلال بمحيطه العربي..
ماحققته المقاومة الفلسطينة ومن ناصرها ودعمها، لم تستطع تحقيقه اتفاقيات أوسلو ووادي عربة، ولا جائزة نوبل لعرفات ورابين..
إحياء القضية الفلسطينية، وإعادتها بقوة للواجهة هو الانتصار الأول للمقاومة، وكشف خرافة جيش الاحتلال الذي لا يهزم، ورضوخ قادة العدو للجلوس والتفاوض مع المقاومة، بعد أن كانوا يصرحون بإنهاء المقاومة من الوجود، وقرارات الجنائية الدولية، التي تعتبر سابقة تاريخية، هي انتصارات كُتبت بدماء من أمنوا بقضيتهم وتحرير وطنهم..
قبل طوفان الأقصى، كان مصير الفلسطينيين وقضيتهم، مرسوماً له أن يكون مثل مصير الهنود الحُمر، والسكان الأصليين لأستراليا، لكن الله بعث جنوداً من تحت الأرض، قلبوا الطاولة على الأعداء والأذناب، وصار مٌخططهم رماد وسراب..
في حياة الأمم، ومن أجل الحرية، كل ما يُقدَّم في سبيلها يُعد رخيصاً، فالبشر مولود، والبنيان سيعود، ولكن سيعيش الإنسان تائهًا بلا قيمة، حين يختفي وطنه من الوجود..