منصة الصباح

” اللي خَيّركْ حَيّركْ”  

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

القبول بالخوض في مغامرة كتابة تعليق صحفي بانتظام، في صفحات الرأي، يومياً أو أسبوعياً، تترتب عليه التزامات شخصية كثيرة، تأتي في مقدمتها الحرص على متابعة الشأن العام محلياً وعالمياً في مختلف تنوعاته وتعرجاته، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ورياضياً واعلامياً ..الخ،  بغرض الالمام بتطوراته، أولا بأول، وبهدف أن تتاح للمعلق الفرصة لاختيار ما يراه مناسباً منها، والخوض فيه، والادلاء بدلوه في مياهه. ويحدث، أحياناً، أن تكون الأحداث بتنوعاتها ذات صلة بمواضيع مهمة، تهمّه شخصياً، كما تهم ّغيره من القراء. لكن تلك المواضيع المتعددة والمهمة تضعه في حيرة، ” واللي خيّرك حيّرك” كما يقول المثل. وأعتقد أن هذا ما حدث لي في نهاية الأسبوع الماضي، وأنا أتهيأ  لاختيار واحد من مواضيع عديدة، ذات صلة بالشأن المحلي الليبي، أوالعربي، أوالاقليمي، أوالدولي.  الصراع بين أعضاء المجلس الرئاسي في طرابلس، وآخر تطورات الفساد، موضوع من الصعب على المعلق تركه للمزاج، أو الخوف من التعرض لعواقب محتملة. وتفجير ميناء بيروت، وتداعياته على لبنان والمنطقة،حدث ليس ممكنا تجاهله لأهميته. الأوضاع في دولة ساحل العاج بعد قرار الرئيس الحالي تجاهل الدستور، وترشيح نفسه للمرة الثالثة، الأمر الذي يمهد الأرض لحرب أهلية جديدة! والصراع بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم أمريكا والصين، وقرار الرئيس ترمب بحظر شركات تقنية صينية، أمر ليس ممكنا وضعه على رف مجمّد، لأنه مؤشر على بداية حرب باردة أخرى، عالمياً، ومن نوع مختلف.
وأعترف أنني، منذ أن بدأت كتابة التعليقات الأسبوعية، أحاول قدر الامكان الابتعاد، ما أمكن، عن الخوض في  تفاصيل الشأن الليبي، وأن حدث وأضطررت للخوض فيه، فإنني أحبذ التعامل معه بكثير من الصبر، وألتزمُ، طيلة الوقت، الحَذرَ والحيطةَ، لعلمي أنه حقل ألغام. فالكاتب الذي يحاول التعليق حول أمر من الأمور الليبية وهي كثيرة، لابد له إن اراد الوصول إلى هدفه بسلام وأمان أن يفكر، بتروٍ، في تصميم خريطة طريق، تضمن سلامته من المطبّات، وتنجيه من  الوقوع في الفخاخ والكمائن الكثيرة المنصوبة في كل مكان،  ليضمن عدم تعرضه لاذى الإتهام والتخوين….ألخ، وحتى لا يُحسب على هذا الطرف أو ذاك، حتى وان كان، في قرارة نفسه، يضع جميع تلك الأطراف المتنازعة في سلة واحدة، ويتمنى التخلص منهم جميعاً في مرة وأحدة، وفي أقرب  وقت ممكن، وكأنه يتخلص من وباء فيروسي قاتل.
ما يلفت الانتباه، أن ما يشوب الساحة السياسية الليبية من فوضى، ويجعلها دائمة التوتر، ليس جديداً، أو وليد فترة ما بعد انتفاضة فبراير 2011. وأذكر أن اعلامية بريطانية بارزة تعمل كبيرة مراسلين بهيئة الاذاعة البريطانية اسمها “كيت ايدي”، قامت بزيارة إلى ليبيا في التسعينيات من القرن الماضي، للقيام بتغطية اعلامية لحدث ما كان يعقد في العاصمة طرابلس، ولدى عودتها إلى بريطانيا، شاهدتُ لقاءً تلفزياً  أُجريَ معها، خُصص لما أثير في تلك الزيارة من ضجة واتهامات ضدها من قبل النظام الليبي. وأذكر أن السيدة ايدي وصفت خلال تلك المقابلة الساحة السياسية الليبية بأنها “غابة بالمعنى الحرفي للكلمة.” كما أذكر أن صحافياً عربياً في لندن، من أصدقائي، كان في مرحلة زمنية، نجماً في معظم القنوات الاخبارية، كان يردد أمامي أنه يفضل الابتعاد عن الخوض في الشأن الليبي، لأن ليبيا وما يحدث فيها من أمور سوريالية، حسب وصفه،  لا تختلف عن كيس فحم، لايمكن للمرء أن ينجو من تلويث يديه وملابسه، إن حاول الامساك به أو حمله من أي جهة.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …