أشرعة
جمال الزائدي
.بعد انقطاع إمتد لأسابيع اعود إلى حضن الافيكو إمتثالا للمقولات الشعبية الخالدة « ياشارب اللبن مرجوعك للمي « و « ياحوش بوي ما عليك غنوه» ..لاشيء تغير يمكن ملاحظته في الشارع فالقذائف المدفعية مازالت تهز الحيطان والابدان بأصواتها المرعبة وانخفاض كثافة الحركة والزحام تتناسب مع اعتبار أن يوم السبت عطلة لمعظم الدوائر الحكومية.. الشيء الوحيد الذي لفت انتباهي أن الناس صارت تعتمد سلوكا يمكن وصفه بالودود ..صدقوا أنني في الطريق إلى المحطة سمعت تحية الصباح أكثر من خمس مرات وهذا رقم قياسي يستحق الاحتفاء ..المفاجأة الأخرى أنني توقعت بعد الضجيج الذي شهدته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي طوال ال 72 ساعة الماضية حول فايروس الكورونا وإعلانه جائحة وبائية عالمية وإيقاف الدراسة من قبل الحكومتين الليبيتين الرشيدتين ، أن أرى العشرات من المارة والركاب يرتدون الأقنعة الطبية ويطبقون النصائح الصحية.. لكن لاشئ مما توقعته كان.. فالناس يتصرفون وكأن لاشيئا طرأ على ظهر الكوكب ..في صف المقاعد الأخير على متن الافيكو كنت أفكر دون أن أحاول نسج حديث مع أحد: – .. هؤلاء منذ أكثر من عام يعيشون تحت رحمة القذائف والصواريخ العشوائية رافضين مغادرة بيوتهم متمسكين بإيمان عجيب أن الموت إذا حل بهم لا يحتاج إلى أسباب.. كيف خطر بتفكيري الساذج أن الكورونا الغامضة غير المرئية يمكن ان تثير خوفهم.. مبهر أنت أيها الشعب العظيم..
وبعيدا عما تستدعيه رحلات الافيكو القصيرة من التمسك بالتقاط المفارقات الساخرة في التفاصيل الحياتية الدقيقة ..يلح تساؤل بريء وجاد في هذه اللحظة الحالكة التي تعبرها شعوب المعمورة قاطبة والشعب الليبي على وجه الخصوص بسبب هذا المرض الغريب الذي يحصد الأرواح بمنجل الموت الفولاذي : – أين هو دور الفنانيين والكتاب والادباء والصحفيين والرياضيين ومنظمات المجتمع المدني، والوعاظ وبقية الشرائح الرائدة ، في تنوير المجتمع وبث الوعي بين الناس بخطورة هذا الوباء القاتل الذي أرعب دولا متقدمة وقوية حتى عجزت عن احتوائه والتصدي له..
وهل يمكن لهؤلاء الاستجابة لدعوة الصديقة والزميلة الإعلامية المتألقة فيحاء العاقب عبر منشور في صفحتها على الفيس بوك لأننا « ننتظر اسكتشات توعوية ممثله بإتقان كبير من قبل الفنانين، دون التحجج بعدم دعم الدولة لهم، فلا مكان لهذه المبررات اليوم..
وننتظر من الرياضيين المشاركة في حملات ضخمة، ردا لجميل منقطع النظير، تُرجم عبر تصفيق وترديد لشعارات من قبل جماهيرهم، هزت عرش الملاعب تشجيعا لهم.
وننتظر لوحات رُسمت بحب من قبل التشكيليين، تُخفف وطأت الرعب، وترسل رسائل الوعي بالألوان.
ومن يعتلون منابر المساجد.. انصحوا الناس بلسان ديننا، وتعاليمه السمحة.. وطمئنوهم بالآيات التي تزيح الخوف وتبعث السكينة للأرواح.
أما منظمات المجتمع المدني، فأنتم مربط الفرس، وانتم بيت القصيد، هذا وقت العمل.. انزلوا إلى الشوارع وقدموا النصح والتوعية، هذا ليس وقت تنظيم الندوات في القاعات وفنادق الـ5نجوم، الشوارع تناديكم.»