منصة الصباح

الكعكات الزرق

ترجمة : عمر أبوالقاسم الككلي

يخترق طريق واسع، تقسمه ممرات لسيارات نقل الركاب و الشاحنات و العربات التي تجرها الخيول، و المشاة، غابتنا الكبيرة، متخذا مجازا طويلا وسط الغابة. و إذا نظرت على امتداد هذين الجدارين الأخضرين سترى السماء في النهاية. حين قطعت الغابة حملت الأشجار الضخمة إلى مكان ما، أما الأغصان المقطوعة فقد جمعت في أكوام هائلة لتحمل بعيدا و تستخدم وقودا لمصنع ما. هذا، على أية حال، لا يتم بسرعة. لذا تظل الأكوام طوال الشتاء محتلة كامل الفسحة المنزوعة الأشجار.

في الخريف اشتكى الصيادون من ندرة الأرانب و ربط البعض بين عملية اختفائها و عملية قطع أشجار الغابة: لابد وأن الضجة قد أجفلتها. لكن مع بداية حلول الثلج، و لما أصبح ممكنا تبين تحركات الأرانب من خلال آثارها، جاء قصاص الأثر روديونتش قائلا:

– كل الكعكات الزرق جاثمة تحت أكوام خشب الوقود.

على خلاف جميع الصيادين الآخرين لا يدعو روديونتش الأرنب « الشيطان الأحول « مطلقا، بل يدعوها، دائما « الكعكة الزرقاء «. و لم لا؟ . فالأرنب لا تشبه الشيطان الأحول أكثر مما تشبه الكعكة الزرقاء. و إذا ما قال لي أحدهم بأنه لا توجد كعكة زرقاء، فسأرد عليه بأنه لا توجد شياطين حول أيضا.

تفشى الخبر، كما الحريق الضاري، في بلدتنا الصغيرة، و يوم السبت اجتمع كافة الصيادين، بقيادة روديونتش، في منزلي.

تحركنا عند انبلاج الفجر بدون الكلاب. إذ أنه باستطاعة روديونتش توجيه الأرنب إلى حجر الصياد، إذا جاز التعبير، بثبات يفوق ثبات أي كلب صيد. بمجرد أن أصبح الضوء كافيا لتمييز آثار الثعلب من آثار الأرنب تتبعنا الأخيرة، و لا حاجة للقول بأن هذا قد قادنا إلى جبل من الأغصان المقطوعة المرتبة بارتفاع منزل من منازل قريتنا بعليته و كل ما إليه. الأرنب هناك،  بكل تأكيد، تحت الأغصان المقطوعة، لهذا توزعنا مكونين دائرة مهيئين بنادقنا. قلنا لروديونتش:

– قم بواجبك.

صاح:

-اخرجي، أيتها الكعكة الزرقاء، اخرجي.

جاسا تحت الأغصان المقطوعة بعصى طويلة.

لم تخرج أية أرنب. احتار روديونتش. فكر دقيقة، استطلع الثلج بمظهر رزين، دار حول الكومة، دار حولها ثانية في دائرة أوسع: لم تخرج أية أرنب. قال بثقة:

– إنها هناك، بالداخل. أيها الرجال، خذوا مواقعكم. إنها هناك. الجميع جاهزون؟ .

صحنا:

– بالتأكيد.

نادى روديونتش:

– اخرجي، أيتها الكعكة الزرقاء، اخرجي.

ثم أقحم عصاه ثلاث مرات حتى ظهرت من الجانب الآخر من الكومة و كادت أن تسقط أحد الصيادين الشباب.

و مع ذلك لم تخرج الأرنب.

لم يسبق أن حدث إحراج كهذا لأكبر قصاص أثر فينا: انكسف وجهه، بمعنى الكلمة. شرع بقيتنا في الجلبة والمجادلة. أخذنا،  جميعنا، نقوم بتخمينات و نطرح اقتراحات، نمشي و نجيء طامسين آثار الأرنب بالكامل حتى لم تعد هناك إمكانية لأن نتمحص الآثار و نتكهن بنوايا تلك « الكعكة الزرقاء « الماكرة.

و بين أخذ و رد، طفحت، فجأة، ابتسامة على وجه روديونتش. جلس فوق جذع شجرة على مبعدة من الصيادين. لف سيجارة في هيئة الراضي عن نفسه، ثم غمز يدعوني.

تلقيت الرسالة فسرت باتجاهه محاولا ألا ألفت انتباه الصيادين الآخرين. قال مشيرا إلى قمة الكومة المكسوة بالثلج:

– انظر أية خدعة لعبتها معنا تلك الكعكة الزرقة.

لم ألحظ مباشرة النقطتين السوداوين اللتين كانتا عيني الأرنب، و لا النقطتين الأخريين اللتين كانتا تمثلان أعلى أذنيها. كان هذا رأس الأرنب يلوح من فوق الكومة يتلفت هنا و هناك مراقبا الصيادين.

لم يكن علي سوى أن أصوب بندقيتي لتنتهي حياة تلك الأرنب الماكرة. إلا أني شعرت لأجلها بالأسى. ليست هناك ندرة في الأرانب الغبية الجاثمة تحت الأكوام الأخرى.

فهمني روديونتش تماما. كون كرة ثلجية صغيرة، و لما تجمع الصيادون في الناحية الأخرى من الكومة سددها باتجاه الأرنب.

لم أتخيل أبدا أن أرنبا عادية يمكن أن تبدو كعملاق يقف فوق صخرة عظيمة. كان ذلك ما بدت عليه تلك الأرنب لما وقفت فجأة فوق تلك الكومة و قفزت على ارتفاع ياردتين.

فاتك مشهد أولئك الصيادين!. فجأة،  وقعت الأرنب جالسة. و فورا تهيأت كل البنادق. كان أمر قتلها سهلا. إلا أن كل صياد أراد أن يكون هو من يقتل الأرنب. و هكذا أطلق جميعهم النار دون تصويب، فعدت الأرنب إلى أقرب آجام.

قال روديونتش بإعجاب:

– انظر إلى هذا الكائن الماكر.

صاح صياد شاب سريع الاهتياج:

– لقد نلتها.

و فجأة اهتز في حركة سريعة ذيل صغير زغب في الآجام البعيدة كما لو كان ردا على ذلك التصريح. لقد كانت تلويحة وداع للصيادين.

 

شاهد أيضاً

بحضور المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للإعلام: اختتام الدورة التي اقامتها هيئة الصحافة في مجالات الادارة الحديثة

اختتمت اليوم الخميس 21 نوفمبر بالهيئة العامة للصحافة الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العامة للصحافة …