أحلام محمد الكميشي
أحداث كثيرة شكلت مفترق طرق في مسيرة القضية الفلسطينية تحل ذكراها في شهر مايو، إذ تمر علينا هذه الأيام الذكرى (85) لصدور الكتاب الأبيض سنة 1939م، كوثيقة سياسية مهمة أصدرتها بريطانيا ورفضها العرب واليهود قبل شهور من اندلاع الحرب العالمية الثانية والتي من نتائجها تركيز حدود دولية وأنظمة سياسية لدول عربية، وقد مرت علينا الذكرى (76) لإعلان دولة إسرائيل في 14 مايو 1948م، التي ارتكب جيشها بعد أسبوع فقط أي في 22 مايو وأمام أنظار العالم مجزرة قرية (الطنطورة) وقتل نحو 300 فلسطيني.
علمونا في المدرسة أن المعاناة الفلسطينية سببها وعد “بلفور” الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، في قفز على المراحل واستبعاد لبعضها تعاني منه الكثير من المناهج التاريخية المدرسية، فهذا الوعد جزء من منظومة تاريخية كاملة شاركت فيها بريطانيا وغيرها، بإطلاق المبادرات وإصدار وتنفيذ ودعم الوعود والقرارات التي ساهمت في تعميق المعاناة الفلسطينية والمتاجرة بالقضية عبر بعض المقاولين والبيادق الذين مهما سترتهم الأيام فسيفضحهم التاريخ بمرور الوقت.
ومع أن بريطانيا وبتوالي حكوماتها قد نفذت ما نص عليه وعد بلفور في جزئية بذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، إلا أن الجزئية الخاصة بتعهدها بأن لا يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ظلت حبرًا على ورق إلى اليوم والشواهد كثيرة.
خلال السنوات (1936 – 1939م) انطلقت من الريف الفلسطيني الثورة العربية الكبرى احتجاجًا على ارتفاع أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين والدعم البريطاني للعصابات الصهيونية بالرجال والسلاح وعلى شراء الأراضي ونقل ملكيتها والتغيير الممنهج للتوازن السكاني بالمنطقة على حساب الشعب الفلسطيني، وتم تشكيل اللجنة العربية العليا.
وعقب فشل مؤتمر لندن ورفض الشعب الفلسطيني لتوصيات لجنة “بيل” القاضية بالتقسيم الثلاثي لفلسطين والتي نالت قبول المؤتمر الصهيوني، صدر الكتاب الأبيض وشعر الصهاينة أن بريطانيا تهدف لإدارة اللعبة وإطالة أمد الصراع العربي الصهيوني دونما تحقيق نهائي لوعودها بالرغم من أن الكتاب نص على إنشاء دولة فلسطين المستقلة في غضون 10 سنوات ودعم إقامة وطن قومي لليهود في دولة فلسطين، ووجوب أن تكون الدولة المستقلة دولة يشترك فيها العرب واليهود في الحكم بطريقة تضمن الحفاظ على المصالح الأساسية لكل مجتمع، ومنح فرصة لهجرة 75 ألف يهودي لفلسطين خلال 5 سنوات، وبحلول الأجل دون تحقيق هذا الرقم تم منح فرصة أخرى بواقع 1500 مهاجر في السنة، وشعر الفلسطينيون أن بريطانيا تهادن الصهاينة على حسابهم لتنطلق الأعمال المسلحة من العرب واليهود ضد بعضهما وضد بريطانيا في منطقة تغلي على مرجل (سايكس بيكو) التي من غرائب الصدف حلت ذكرى استكمال مصادقة بريطانيا وفرنسا وروسيا عليها أيضًا في مايو.