منصة الصباح

القاهرة‭ ‬51

زايد‭..‬ناقص

بقلم /جمعة‭ ‬أبوكليب

في الأسبوع الماضي، حزمت أمتعتي في حقيبة، وقصدت قاهرة المعز لحضور الدورة الحادية والخمسين لمعرض الكتاب. الغرض من السفر لم يكن في الحقيقة مقتصراً على زيارة معرض الكتاب بل لاصطياد عدة عصافير، وليس فقط عصفورين، بحجر واحد.
أولها كان هدف الهروب من أجواء شتاء لندن الممطرة والباردة، وما تثيره من كآبة في الروح، والفرار بالنفس وبالبدن إلى حيث الدفء، والشمس، وأجواء السهر على ضفاف نهر النيل، وقضاء أوقات ممتعة في مقاهي القاهرة، أو التمشي في شوارعها والاختفاء، بل والذوبان، في ازدحامها وضجيجها.
وثانيها كان هدف الالتقاء بأصدقاء ليبين وعرب، لم ألتق بهم منذ فترة زمنية، طويلة نسبياً، والخوض معهم في أحاديث ونقاشات، وما مر بهم وبي من أحداث وتجارب شخصية وعائلية، والتحاور في شؤون الكتابة والابداع.
وثالثها كان هدف التجول في أروقة وصالات معرض مختلف لا مكان فيه لغير الكتاب، وزواره من محبي الكتاب، و للاطلاع على أحوال الكتاب في عالمنا العربي، وآخر ما أستجد من أموره.
الهدف الأول لم يتم تحقيقه لأن طقس القاهرة خلال فترة وجودي بها كان لا يقل برودة وسوءاً عن نظيره في لندن. ذلك الخذلان لم يكن سهلا على نفس موعودة بدفء شتائي لايقاوم، ويبعث على الانطلاق والتحرر من ثقل ما يدثرها من ملابس وخمول.
دورة هذا العام كانت، في رأيي، أقل ارتباكاً، وأكثر تنظيماً، من دورة العام 2013 التي حضرتها. للاسف الشديد غابت ليبيا الرسمية عن المشاركة في هذه الدورة، ولأسباب لا أعرفها، لكن دار نشر الرواد الخاصة أصرت، مشكورة، على المشاركة والحضور، على حسابها الخاص، ومن دون مساعدة، أو دعم من هيئة الثقافة.
وكما توقعت، وبسبب الظروف التي تمر بها البلاد، وصعوبة السفر، لم ألتق إلا بعدد قليل من من الكتاب والمثقفين الليبيين في أروقة قاعات المعرض، أو خارجه، مما يعني تبخر هدف آخر في الريح.
ما يميز للقاءات التي جمعتني باصدقائي، على قلتها، أنها على غير عهدها السابق، طغى عليها حزن غير عادي، وخيّمت على الاحاديث أجواء ما تركت الحرب في النفوس من خوف وما كشفت عنه من أسئلة صعبة، ليس سهلا التعامل معها، لأنها تتعلق بمستقبل البلاد، وما قد ينالها من أذى من الطامعين بها وبثرواتها، وما يخطط لها وراء أبواب مغلقة من مصائر لا تسر.
الغريب العجيب، اصابتي، منذ اليوم الثاني لوصولي، بنكسة مرضية الزمتني الفراش، نتيجة الاصابة بنوبة برد قاهرية، غير ودية، وغير متوقعة، ارهقتني بدنياً، وزعزعتني نفسياً، وأربكتني اجتماعياً، لأنها وقفت عائقا بيني وبين الالتقاء ببعض معارفي وأصدقائي، وحرمتني من التجوال في شوارع القاهرة، والاستمتاع بأجواء مقاهيها الشعبية.
ما لا يعرفه كثيرون هو أنني كتمت أمر مرضي وما أثاره من حنق في داخلي، وصبرت كارها على ما أصابني، حتى لا يشمت بي أصحابي الذين غادرتهم في لندن، وهم يتميزون حسداً على سفري، وتركهم يعانون، لوحدهم، ما ينزله بهم طقس لندن الشتائي المتقلب من ضروب المحن والعذاب.
وأخيراً،أعترف، أن الدورة 51، أو القاهرة 51 ، لم تكن زيارة تستحق أن أحتفظ بها على رفوف ذاكرتي، وأمسح عنها ما قد يتراكم فوقها من غبار الأيام، ولا أظنني سالتفت نحوها بقلب مشتاق، أو أسجل تفاصيلها بحرص في صفحات حنيني. لكنها ، حقيقة، زيارة متميزة ومختلفة، بمعنى، وبلغة المعاجم الفقهية، ليس من المستحب لي تذكرها، ولا يجوز لي نسيانها، وفي المابين « عوم ياقعيم».

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …