تحتفل ليبيا بعيد العمال في الأول من مايو كل عام، ويهتم الجميع بيوم العطلة أكثر من جوهر المناسبة، حيث تغلق الوزارات، وتؤجل الاجتماعات، وترفع الشعارات، وتعلن العطلة في كل القطاعات، وتنشر التهاني والبيانات في مختلف الصفحات على الفيسبوك وتويتر وحتى واتساب، كما لو أننا اكتشفنا العمل الآن.
نحيي عيد العمال، ذلك الكائن الهلامي الذي نفخر به كما نحتفل بيوم الشجرة في صحراء قاحلة.
نحن بلد يحتفل بعيد العمال… دون أن يمتلك عمالاً، أو لنكون أكثر دقة: لدينا عدد لا يذكر من العمالة الليبية.
بلد فيه أكثر من أربعة مليون موظف حكومي تقريباً…. هؤلاء ليسوا عمالاً بل موظفين.
بلد فيه فائض من الجالسين… ونقص في الواقفين. فائض في العطل…. وعجز في الإنتاج. لدينا فائض في الحضور الإداري، ونقص في العمل البدني.
نحن شعب يطلب القهوة من تطبيقات الهاتف، ثم يكتب منشوراً عن قيمة الاجتهاد والتعب.
لكن لنطرح على أنفسنا سؤالاً: من هم العمال الليبيين الذين نحتفل بهم؟
هل هم عمال النظافة؟ كلهم أفارقة، لا يتحدثون العربية، لكنهم يفهمون جيداً متى تُجمع القمامة، ويحفظون مواعيد قدوم الشاحنة.
هل هم عمال المزارع؟ جلهم مصريون يعملون في الأرض التي هجرها أصحابها، لأن الشمس لا تملك مكيفاً.
هل هم عمال المطاعم والمقاهي؟ أغلبهم توانسة ومغاربة يتقنون طبخ (الكسكسي) أكثر من بعض نسائنا.
هل هم النجارين والحدادين؟ جلهم أجانب من مختلف الجنسيات… يمسكون بالمطرقة والمنشار، بينما يمسك الليبي بالريموت ويتذمر من صوت الألات.
هل هم الخبازين؟ أغلبهم مصريين وسودانيين.. يعجنون العجين فجراً، بينما الشاب الليبي يتقلب في فراشه، تم يشتكي ظهراً: ليش ما فيش خبزة ساخنة؟
هل هم الحلاقين وعمال الطلاء وعمال البناء والتشييد؟ ستجدهم مصريين وسوريين وحتى أفارقة… بينما الشاب الليبي يشكي من ارتفاع سعر الحلاقة أكثر من شكواه من غلاء المعيشة.
هل هن عاملات البيوت؟ كلهن من الفلبين، ومن النيجر …. يشتغلن في صمت… أما صاحبة المنزل فمهمتها أن تتباهى بها أمام الناس.
أما المواطن الليبي، فهو إما موظف في إدارة لا يعرف ماذا تدير، أو متقاعد مبكر من وظيفة لم يباشرها، أو باحث عن فرصة حكومية لا يعمل فيها أحد.
الشاب الليبي أصبح يريد لقباً وظيفياً، ومكتباً فيه “بريك” طويل، وبعض أوراق يوقعها دون أن يقرأها.
أغلب الشباب الليبي لا يعمل بيده، إلا حين يفتح المكيف، أو يعيد شحن هاتفه.
نحن نمنح عطلة لمن لا يعمل، ونحمل الشعارات فوق أكتاف العمال الأجانب، ونعرف كيف نصدر التهاني، ولا نعرف كيف يزرع الدلاع في حقولنا الخصبة.
الاحتفال بعيد العمال في ليبيا يشبه أن تقيم حفل زفاف دون عروس، أو أن تحتفل بعيد الأم في بيت بلا أم.
العامل الحقيقي يا سادة لا يعرف ما معنى عطلة رسمية؛ لأنه منشغل في كنس الطريق، وفي زراعة الأرض، أو في جر عربته تحت الشمس، أو في بناء جدار، أو تصليح محرك متهالك، أو لحام أنبوب مكسور، أو حمل أكياس الأسمنت على كتفيه، أو في إخراج الخبز من فرن مرتفع الحرارة، أو صب الإسفلت في طرق لا تنتهي…. بينما نجد الليبي يحتفل بعيد العمال، ويكتب منشوراً وطنياً في الفيسبوك وهو ممدد والمكيف على رقم 16.
فلتعذرونا يا عمال العالم، فنحن نحتفل بكم لأننا لا نملك أمثالكم؛ ففي ليبيا، عيد العمال هو مناسبة يغيب عنها العمل ويحضر فيها الاحتفال، يوم إضافي يُضاف إلى قائمة العطل الرسمية… لا أكثر.
د. علي عاشور