الطبيب الليبي لايلام في اكثر الأحيان
مع قهوة الصباح:
بقلم: د . المهدي الخماس
نتكلم كثيرا عليه في جلساتنا. أحينا نمدحه ونذكره بالخير ونكرمه لأبسط الأشياء والتي هي من واجبه ومهنيته. وأحيانا أخرى نرى أنه هو المسؤول عن هجران الطب في ليبيا وتحملنا مشقة السفر الى تونس وغيرها للعلاج. من ناحية قيامه بواجبه فهو أمر طبيعي ولايحتاج شكر ولايحتاج تكريم وتصوير في الفيس وغيره. وانما يحتاج إعطاءه حقه من مرتب يكفي حاجته وتأمين صحي يحفظ كرامته وتدريب يضمن له مواكبة العلم.
الواقع يخبرنا أنه في أغلب الأحيان هو على القرمة. فهو الديناصور الذي لم يترك شيئا الا والتهمه. يتحرك بين المصحات المختلفة كتاجر الشنطة. ويضاعف من أجرته عند استدعائه خارج أوقات العمل كفني الأقفال. وهو من يحول المريض الى مصحة معينة ليتقاضى عمولة ويجري العملية القيصرية ليحصل على أجر أكبر. هو من يأتي الى دوام المستشفى العام ليخبر المرضى بعنوان المصحة التي يشتغل بها في المساء والصباح كذلك.
القصص كثيرة في جلسات القرمة. أحيانا بدليل وأحيانا بدون دليل. حسب ما أرى كطبيب قديم أننا ساهمنا في صنع الطبيب الملقى على القرمة بسبب سلوكه أو جهله. نحن من فتحنا كليات الطب في كل مدينة وبدون شروط ومقومات النجاح. خلقنا له البيئة الطاردة بالكلية ليقع فريسة الدروس الخصوصية. ونحن من دفعناه ليتخرج من جامعة اليوتيوب ولم يرى ذات يوم كيف تدخل قسطرة البول بطريقة معقمة. ونحن من عودناه أن يدخل الإبرة الى الوريد بدون تعقيم للجلد أو غسل يديه. ونحن من تركناه يستنتج أن الهواء في انبوبة حقنة التغذية أمر طبيعي.
يعني بدون إطالة علينا كمجتمع عام ومجتمع طبي أن تحمل جزء كبير من المسؤولية. توجد أصول لتعليم حرفة الطب متعارف عليها منذ زمن بعيد وتطورت مع الزمن. وكذلك توجد مبادئ لأخلاق المهنة تساعد في ترسيخ السلوك السليم والصدق والأمانة والحفاظ على سر المريض ولم نتبعها. علينا تحمل المسؤولية لأننا جعلنا من كليات الطب بيئة تشبه معامل تفريخ الدجاج. نجح في الإمتحان صب عليه زيت السيارات وحممه وألبسه البالطو الأبيض وأعطه الدينارات المطلوبة ليحصل على اذن مزاولة. ومن بعد فهو دكتور ولايرضى بأي لقب غير ذلك.
لم ندعم المستشفيات لتستوعب طلبة الطب ولم ندعم التدريب ولا المدربين. ولم نعطي الأستاذ حقه ولم نعطي ملف التعليم الطبي لمن يفهم في الطب وتعليمه. وبالرغم من كل هذا بعضنا تربع في الكراسي والتف عليها كالتفاف ثعبان البايثون حول فريسته لايملك العلم ولا الطرق الحديثة لتوصيله.
وعليه انا لأالوم على الطبيب حديث التخرج أن يخطئ وأن يبحث عن لقمة العيش والدبلومات وشهادة الدولار العربية. أعطه حقه في الوجود والتعليم والتطوير وحاسبه على تقصيره. يومكم طيب.