الصحة والحلم الذي تبخر
عشنا طفولتنا والخدمات الصحية متوفرة نوع ما بمستوصف قريتنا ونظام إحالة وإسعاف مجهز ، وفي صبانا حَلِمنا لنكون أطباء نعالج أهلنا في مدننا وقرانا ، ونرفع من مستوى صحة شعبنا الذي علمنا في أرقى جامعات العالم ووفر لنا دوائنا في مددنا وقرانا ، وبالمجان كان تعليمنا وعلاج مرضانا .
وتحقق بعض من حُلمنا وصِرنا عشرات الآلاف أطباء وتمريض وفنيين ، وزادت أعدادنا عام بعد عام وبنيت مئات المستشفيات وآلاف المستوصفات والمراكز الطبية وتوفرت الأدوية واللقاحات والمستلزمات الأصلية والمضمونة من كبرى الشركات العالمية وتقلص الأطباء والتمريض الوافدين من عرب وغيرهم جزاهم الله عنا خيرًا بما صنعوا وقدموا لنا الخدمات الصحية لسنوات في كل ربوع الوطن ..
وتحققت أعلى المؤشرات الصحية ، وأحُضر أشهر الأطباء الزوار في جميع التخصصات من الجامعات العالمية ،
وكنا نطمح في زيادة السعة السريرية وتطبيق أحدث معايير جودة الخدمات الصحية ، ودعم المراكز البحثية ، والأهتمام بصحة المجتمع وبالرعاية الصحية الأولية ، والخدمات الصحية المنزلية والمدرسية والبيئية ورعاية كبار السن ، ودمج إعادة التأهيل ، والصحة العقلية والنفسية بمنظومة النظام الصحي في جميع مستويات الخدمات الصحية وكذلك كنا نأمل في تطوير منظومة الإسعاف والطوارئ بما يجعلها تغطي كل البلاد وكنا نطمح في أن تكون بلادنا مقصد للاستشفاء من الدول الاخرى ونرفع من مستويات التعليم والتدريب الطبي والصحي ليضاهي أرقى الجامعات العالمية ويتحصل ابنائنا على تعليم وتدريب طبي متقدم ومعتمد ..
وللأسف الشديد الآن يذهب المريض لمراجعة مستوصف أو مركز صحي بجوار بيته ولا يجد أي منهما مطابق للمعايير المعتمدة في المباني والتجهيز ، والخدمات والإدارة ، ولا يجد طبيب مؤهل قادر على علاجه ، أو ممرضة قانونية مؤهلة ومدربة ومجازة من معاهد الدولة ، ولا يجد إمكانيات الكشوفات اللازمة المطلوبة كالتحاليل والاشعات والأدوية الموصوفة الأصلية ، ويقوم بصرفها صيادلة مؤهلين ، ولا تتوفر إمكانيات الإسعافات الأولية والطارئة ومن يقوم بها على مدار الساعة ، ولا تتوفر النظم والإمكانات اللازمة لنقل المريض بسيارة إسعاف مجهزة ، وبفريقها الطبي المخصص لها في الحالات الطارئة أو وقت الحاجة اليها.
أليس هذا إهمال متعمد وتقصير مقصود ، وغياب للخدمات الصحية الأساسية الأولية ، ودليل على ضعف وهشاشه وإنهيار النظام الصحي وعدم جدواه ، ومهما كان مستوى الخدمات الاستشفائية السريرية بالمستشفيات يظل النظام الصحي هش وضعيف ، ولن يكون قادر على الاستجابة لأي طارئ صحي ، او للمتطلبات الصحية للمجتمع ، والمستشفيات الان غير مصنفة وفق مستويات الخدمات الطبية المنوطة بها وتعاني من فوضى الهيكلية والملاكات الوظيفية ، وتداخل التخصصات الطبية ، وعدم وضوح الوصف الوظيفي والفني والمهني للتخصصات الإدارية والفنية والتمريضية والطبية مع غياب المعايير المهنية والفنية والادارية ، وغياب الرقابة والمتابعة والتدقيق ، وتحولت المستشفيات الى المدخل الأول للنظام الصحي ، مع وجود الفوارق بين مستشفيات المدن وبعضها ، ومستشفيات القرى والدواخل والبعيدة عن المدن الكبرى هجرها الاطباء وغادرها الأجانب ، ويتم ترفيع مراكز صحية لمستشفيات على الورق . وتأسيس أجهزة وهئيات وأجسام موازية .
اليس هذا هو الفشل الكبير والانهيار للنظام الصحي ، ويشكل العبء الأكبر على المواطن والمجتمع ، ومسبب لتزايد الأمراض التي كانت بالإمكان تجنبها ، وتتصخم المشاكل التي تنعكس على صحة وحياة الناس ، وفي هذه الفوضى والانهيار في منظومة النظام الصحي في دولة مثل ليبيا بثرواتها الكبيرة وعدد سكانها القليل تتضخم فاتورة العلاج في الداخل والخارج من جيب المواطن ومن مدخراته ثم تكون السبب لإنتقال الأفراد والأسر والمجتمعات الى المستويات الاقتصادية الأدني ثم إلى الفقر وما تحت الفقر ، وكذلك يتضخم الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي المنهار ، وعلى برامج ما أنزل الله بها من سلطان لا فائدة منها .
فقط لتحقيق رغبات أصحابها ، وتحقيق مصالح الحذاق والطبقة المستفيدة من إنهيار النظام الصحي بالمتاجرة في المرض والمرضى وذويهم لتتضخم ثروات حفنة من الشطار والتجار ، وتنتشر المصحات والمعامل والمختبرات والصيدليات ومراكز التشخيص والعلاج بلا ضوابط ولا رقيب ولا حسيب ، وتنتشر الأدوية والمستلزمات المزورة والمغشوشة والضارة ، وتعلوا صيحات أصحاب المصالح وشعارات الفهلوة ونظريات الدخلاء والمجتهدين والمثأترين بما تزينه لهم الدعاية التجارية وما تسوقه نظريات السوق التي حولت الصحة الى منظومة إقتصادية للتربح وجني المكاسب السريعة ، وتحويل المرض والمرضى لسلع تحقق الأرباح العالية المضمونة ، واقناع البسطاء والعامة بفشل القطاع العام لسلب المواطن أمواله ومدخراته وإستنزاف الخزينه العامة على الداخل والخارج ، وتسويق باب آخر لضرب الأصحاء في بلد مثل ليبيا القادرة على تمويل عشرات الأنظمة الصحية وهو ما يسمى التأمين الصحي أو الطبي ، وتتسابق الشركات المحلية والأجنبية على بيع البوالص للمواطن على صحته كما على سيارته وبيته وحياته ، ولما لا طالما السوق مفتوحة والمواطن يباع على الملا .
وكل مازادت أمراضنا زادت مكاسبهم وتضخمت ثرواتهم ..
ولسنا ضد من يختار بإرادته العلاج في الخاص هذا شأنه أو من يرغب في التفرغ والعمل بالقطاع الخاص هذا وذاك مباح ومتاح ولا اعتراض عليه .
*ولكن النظام الصحي الذي يجب أن يكون لليبيا الدولة والأمة ويحقق التغطية الصحية الشاملة والعدالة والحماية الاجتماعية ، ويحقق الأمن الصحي للبلاد والعباد في زمن الأوبئة والصراعات والحروب والزلازل ليس ماهو عليه الان*
..
ما نحن فيه كابوس مرعب لم يُرى حتى أيام إقتصاد الحلفة او في ظل الاستعمار البغيض ..
وأرجوا أن لا تكون القبور غدًا بثمن والدفن كذلك للمقتدر ..
*إن تبخر الحلم لازال في الأجيال الجديدة أمل*
*الصحة حق*