منصة الصباح

الرصيف المعنوي

محمد الحارس

امشِ على الرصيف هكذا تودع الأم ابنتها أو الوالد ولده، وهما بهذه الكلمة يدعوان بالحفظ التام للأبناء والبنات، وفي ظل الرصيف الذي يراه البعض واقٍ من المطبات ومن مغبات الآخرين، وهنا نتساءل هل فعلا يعد الرصيف منجاة من الحوادث؟ الإجابة بكل بساطة: لا. فكم من حادث راح ضحيته من يقف عليه أو من هو جالس بين جناباته وأحواله.. وكم من سيارة رُكِنت في غير موضع الرَّكْن وكان الرصيف مستقرها بعد مجراها. وكم رصيف تحوَّل إلى ممر للسيارات.

يتحول الرصيف من مكان للأمان إلى مكان للخطر بين لحظة وأخرى، ولكن أين الرصيف الفكري الذي يمكن للإنسان أن ينجو من خلاله من الناس، وأن يهرب من  التصنيفات غير المبرَرَة، كثيرا هم الذين مشوا على الرصيف الحقيقي، ولكنهم عجزوا عن البحث عن رصيف فكري يتيح لهم التنفس بحرية والتنقل بين بحور المعرفة دون أن وجود صدامات أو أفكار تشتت توجهاتهم؛ وذلك حال الإنسان بصورة عامة يفلح في شيء ويعجز في أشياء.

كم يحلو للبعض جمع كل الأرصفة الآمنة لوضعها في مكان ما هنا أو هناك؛ ولكن هذا محال؛ لأن كل رصيف يتشقق أمام الزمن؛ وأصعب رصف هو رصف المعرفة عند أصحابها، فالكتابة رص للحروف والكلمات التي قد تؤدي إلى نتيجة محمودة أو مذمومة، ولذا تَخَال أنه كمن يحوم حول مايريد وليس ببالغه.

فالكتابة فن التعبير، وقديما قيل تكلم لأراك، والآن اكتب لتنفضح سرائرك ـ ستر الله السرائرـ ولأن التعبير يكون مبنيا على حرية فكرية، لا تشوبها شائبة العبودية، ولا خوف من المستقبل، تلك هي أمانة الله استودعها في أصحاب الأقلام الثجاجة الراقية؛ ولذا كل كاتب من حقه كتابة ما شاء وقت ما أراد، ولكن الحقيقة أن المشيئة لا تعكس حقيقة الإرادة، فبينهما تلاق وتفارق.

تلتقى المشيئة والإرادة إذاكان الرص مساهما في نشر معرفة جديدة أو تلميع وتبييض لأمور يحبها صاحبها والقارئ معا، أو كتابة بلا كُنْه، ولكن إذا كان رصا بمعنى البحث عن عيوب النفس وإصلاحها، والبحث عن المشكل وحله، والبحث عن التغيير للأفضل، فذاك بين التفارق والاختلاف، وكل له مجاله الخصب في الكتابة.

أزعم أخيرا: أن الرصيف المادي أسهل بكثير ـ بالرغم من قساوة ما يجده البعض عند المرور عليه ــ من الرصيف المعنوي الذي من الصعب أن تقف عند حدود واضحة المعالم له.

شاهد أيضاً

التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي

الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …