منصة الصباح

الرايخ الرابع  

حديث الثلاثاء

مفتاح قناو                       

 

عندما تجلس في ساحة الإكسندر الميدان الرئيس في العاصمة برلين و تتأمل عشرات الوجوه الصارمة المنطلقة إلى أعمالها،  أو تلاحظ سائق الاتوبيس الفارغ وهو يتوقف عند محطة خالية من الركاب، هو يفعل ذلك رغم علمه اليقيني بأن لا أحد سيركب،  ولن ينزل من الاتوبيس احد، لكنه يفعل ذلك بكل جدية وصرامة احتراما لخطة عملة الموضوعة من طرف المؤسسة التي ينتمي إليها.

عندما تلاحظ هذا وعشرات الأمثلة الأخرى الدالة على جدية الشعب الالماني في مسألة (قدسية العمل) تدرك سببا هاما من أسباب التقدم الحضاري و التقني لهذه الأمة الغارقة في العمل اليومي الجاد لساعات طويلة.

فالجدية والصرامة التي نسمع عنها هي حاضرة واضحة للعيان، لذلك لم يكن صعبا على حاكم دكتاتور مثل ادولف هتلر ان يصنع (الرايخ الثالث) امبراطورية المانيا النازية بكل قوتها وجبروتها، وان يحتل في زمن قياسي معظم القارة الاوروبية وأن يحتل باريس ويحاصر موسكو، ولم يمنعه عن لندن إلا بحر المانش الفاصل بينهما فقصفها بالطيران اشهرا عديدة.

الرايخ الثالث أو الإمبراطورية الثالثة حسب التسمية الالمانية كانت دولة الصوت الواحد، والرأي الواحد  واستطاع زعيمها رغم ذلك وفي وقت قياسي تحويل المصانع المدنية إلى عسكرية فصنعت مصانع السيارات العربات العسكرية والدبابات وهكذا توجهت الصناعة للمجهود الحربي لتتوسع ألمانيا النازية ويصل الفيلق الالماني الذي سمي الفيلق الافريقي إلى بلادنا طمعا في احتلال مصر  وقهر التواجد البريطاني فيها.

 

ورغم مرارة الهزيمة في نهاية الحرب العالمية الثانية،  إلا أن المانيا نهضت من جديد لتصبح القطب الاقتصادي الأول في أوروبا، وقد برهنت في العقد الاخير و مع تولي السيدة ميركل مهام المستشارية وهو اللقب الذي يطلق على رئيس الحكومة في المانيا، برهنت على قدراتها الاقتصادية الكبيرة، رغم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها كثير من الدول ، وذلك بتوفير المستوى العالي من الرعاية الصحية وتنوع الخدمات التي يتمتع بها ليس المواطن الألماني فقط، بل الاعداد المتزايدة من المهاجرين الأجانب في مساواة قل نظيرها، حيث يتدفق عليها المهاجرون من أوروبا الشرقية و أفريقيا و اسيا ومن دول الجوار.

 

لقد ساهمت حكومة السيدة ميركل بنصيب وافر في  تأسيس الرايخ الرابع لدولة المانيا التي هي امبراطورية اقتصادية كبيرة بعيدة عن مشاكل سباق التسلح والتنافس على السيطرة العسكرية، بل اعتمدت على قدرتها و نجاحها الكبير في توفير خدمات عالية الجودة للمواطن الألماني،  وإنتاج صناعي و تقني يغزو الاسواق العالمية ويكون محل طلب في كل مكان لجودته العالية.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …