نظرات في دعوى الجرف القاري ما بين ليبيا وتونس
عزة كامل المقهور
أولا تمهيد
ارتبط بدعوى الجرف القاري ما بين ليبيا وتونس بعلاقة خاصة للاسباب التالية؛
– ان والدي كامل المقهور رحمه الله كان وكيل ليبيا في الدعوى ويترأس فريق الدفاع عنها امام محكمة العدل الدولية. وان هذه الدعوى كانت اول دعوى تنظر أمام محكمة العدل الدولية تكون ليبيا طرفا فيها.
– إن والدي رحمه الله تم تكريمه بوسام العمل الصالح من الدرجة الأولى لجهوده في هذه الدعوى وما نتج عنها من حكم لصالح ليبيا.
– أنني درست اثناء الماجستير في جامعة السربون مادة قانون البحار وقدمت بحثا عن هذه الدعوى. كما وأن بحث نيل الدرجة كان حول تقنية قياسات الجرف القاري ما بين مبدأ الانصاف ومبدأ الأبعاد المتساوية.
– انني عاصرت الطلب الذي تقدمت به تونس طعنا في الحكم أمام محكمة العدل الدولية والذي تم رفضه من المحكمة.
وبهذا التمهيد فإنني اؤكد من خلاله على أن مسألة تحديد الجرف القاري لكل من البلدين على حدة قد حسمتها محكمة العدل الدولية منذ ثمانينات القرن الماضي (1978-1982)، وأن العلاقات الليبية التونسية قد تجاوزتها بمراحل حتى وصلت إلى مرحلة التعاون الاقتصادي المشترك لقطعة بحرية نفطية ما بين البلدين.
ثانيا حدود على الطريق:
– لهذه الدعوى اهمية خاصة إذ أنها من دعاوى الحدود البحرية التي نظرتها محكمة العدل الدولية مبكرا ( دعوى بحر الشمال 1969، دعوى خليج مين 1981 ما بين الولايات المتحدة وكندا) والتي اثرت بشكل كبير في دعاوى الحدود البحرية اللاحقة وتعتبر مرجعا في تحديد وترسيم الحدود البحرية. كما وان هذه الدعوى قد نزعت فتيل نزاع كاد ان ينشب بين البلدين وبينت ان اللجوء إلى القضاء الدولي سلوكا حضاريا، وحلا سلميا للنزاعات الحدودية سواء البرية منها أو البحرية.
– إعلان الرئيس الامريكي هاري ترومان في عام 1945 الذي جاء فيه ” أن من حق الولايات المتحدة الامريكية استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في قاع البحر وما تحت القاع تحت مياه أعالي البحار بمحاذاة سواحل البلاد”، وهو بذلك من أطلق العنان للمطالبة بحقوق الدول الساحلية على جرفها القاري.
– تعريف منطقة الجرف القاري وفقا لنص المادة 76 من اتفاقية البحار لعام 1982 : “يشمل الجرف القاري لأي دولة ساحلية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء بحرها الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم تلك الدولة البري” فهو لتبسيط الفكرة الجزء من الأراضي التابعة للإقليم البري للدولة الساحلية الذي يمتد نحو البحر لكن المياه تغمره بسبب انخفاضه عن مستواها.
ثالثا: ملخص دعوى الجرف القاري ما بين ليبيا وتونس:
بموجب اتفاق خاص ابرم ما بين ليبيا وتونس تم اعلان محكمة العدل به 1978، طلب من المحكمة تحديد مبادئ وقواعد القانون الدولي التي تحكم تعيين الحدود ما بين تونس وليبيا حول منطقتي الجرف القاري المقررة لكل منهما. وبعد دراسة الدفوع والأدلة المؤسسة على الجيولوجيا، و الجغرافيا الطبيعية، وقياس الأعماق تأسيسا على كل ما تقدم به كل طرف في الدعوى لتأييد مطالبه حول مناطق محددة في قاع البحر بإعتباره الامتداد الطبيعي لإقليمه البري ، توصلت المحكمة في حكمها الصادر بتاريخ 24/ 2/ 1982، بأن كلا البلدين يحوزان على جرف قاري مشترك وأن المعايير المادية ليست ذات جدوى لغرض تعيين الحدود. ومن هنا فإنه من اللازم اتباع مبدأ ” مبادئ الانصاف” (والتي تؤكد ان هذا المصطلح لا يمكن تفسيره بشكل مجرد، ولكن فقط بغرض الاشارة إلى المبادئ والقواعد المناسبة للوصول إلى نتائج منصفة)، استنادا إلى عوامل مثل الحاجة لتأكيد درجة معقولة من التناسب ما بين المناطق المخصصة وأطوال السواحل ذات العلاقة.
وجدت المحكمة أن تطبيق طريقة الابعاد المتساوية، في ظروف هذه القضية بالتحديد، لن تصل إلى نتيجة منصفة. وبالنسبة للمسار الذي سيتم تبنيه في تعيين خط الحدود، فإنه سيميز قطاعين:
– القرب من الشاطئ، وقد اتخذت المحكمة من بعض الأدلة الناشئة عن تفاهمات تاريخية أن التعيين (يبدأ من النقطة الحدودية رأس جدير) يجب أن يتجه بإتجاه الشمال الشرقي ليتابع الزاوية 26 درجة تقريبا – وفي اتجاه الخارج نحو البحر؛ كما اعتبرت أن خط الحدود يجب ان ينحرف نحو الشرق متابعا لزاوية 52 درجة آخذا في الاعتبار التغيير في توجه الساحل التونسي إلى الشمال من خليج قابس ووجود ارخبيل قرقنة ( والذي توليه تأثيرا جزئيا).
رحم الله والدي والمهنيين الذين صاحبوه في هذه الدعوى التي حمت وستحمي الحدود البحرية الليبية، والتي يجب أن تكون مثالا للاحترام ما بين دول الجوار.