للأسف يتعرض التعليم والتعليم الطبي في بلادنا للتدمير والتلاعب المتعمد ، والذي إنعكس على إنهيار الصحة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، وحين يدمر التعليم والتعليم الطبي يتحول المجتمع إلى سوق استهلاك بلا إنتاج ، ومستشفى بلا علاج ، وبإنهيار التعليم الطبي يصبح المرض تجارة. والمريض زبون ، والوطن مقبرة .
وينتشر الجهل في ثوب شهادة ، والخطأ في ثوب علاج ، ويكون الطبيب أخطر من المرض ، والتعليم الطبي الفاسد يزرع كوارث في جسد الأمة ، التعليم الطبي الجيد يبداء مبكرا بالمراحل السابقة لدراسة الطب ، والتعليم الطبي له معايير ومتطلبات وامكانيات ومرافق خاصة بمواصافات دقيقة تسمح بالتعليم الطبي المتقدم والتفاعلي ، وبإمكانيات وتجهيزات تعليمية حديثة ، ومكتبة طبية رقمية تحوي كل ما في العالم من كتب ومصادر علمية وأبحاث طبية ،
كلية الطب تعتمد على مناهج مرنة ومتكاملة ، تدمج العلوم الأساسية مع العلوم السريرية ( الاكلينيكية ) من السنوات الأولى ، ويقوم التعليم على حل المشكلات ويتعلم الطالب من خلال قضايا طبية حقيقية تحاكي الواقع ، ويقوم على التعليم الرقمي ، والمنصات الذكية ، والمحتوى التفاعلي ، والواقع الإفتراضي ، والواقع المعزز لتشريح الأعضاء وتصور العمليات بمراكز المحاكاة الطبية التي تستخدم دمي متقدمة وبيئات إفتراضية قبل التعامل مع المرضى ، من خلال مراكز تدريب سريري مزودة بغرف عمليات تعليمية ، وأجنحة تعليمية للطواريء والعناية المركزة ، ومختبرات لتعليم المهارات الأساسية في الفحص وأخد العينات وخياطة الجروح وغيرها قبل دخول المستشفيات ، والتدريب يتم تحت إشراف كامل ومستمر مع التقييم الموضوعي للطلاب ، ( وللأسف لا توجد هذه المراكز بالبلاد ) ، والتي تستخدم في تعليم طلبة الطب وفي التدريب المستمر للأطباء بعد التخرج ، وتعليم الفرق الطبية المتعددة المهام ، والمستشفيات الجامعية هي العمود الفقري والأساس في التعليم والتدريب السريري ، والتي يجب أن تكون مرتبطة مباشرة بالكليات الطبية والتعليم العالي ، ومعتمدة دوليًا ، ومتخصصة وشاملة في كل التخصصات الطبية وفروعها ، ومجهزة بأحدث المعدات والإمكانيات التي تغطي الخدمات الصحية المرجعية والتدريبية والبحثية ، وتقوم بدورها التعليمي والخدمات الصحية للمجتمع ، وأن يكون أعضاء التدريس من تتوفر فيهم الشروط والمواصفات الأكاديمية والمهنية ، ومهارات التدريس والتدريب والتواصل مع المرضى ، والمساهمة في تطوير المناهج ، والالتزام بالاخلاقيات الطبية والمهنية، والتفرغ التام أكاديميًا ووظيفيا للتعليم والبحث والتدريب والإشراف السريري ، ومنع الجمع بين التدريس والوظائف التجارية أو الخاصة ، ( وللأسف هذا غير متوفر ) ،
مع العدد الهائل في كليات الطب والتي تشكل أكثر من 15% من مجموع كليات الطب بأفريقيا ، وتفتفد للمرافق التعليمية وفق المعايير المعروفة ، وكذلك الهياكل التنظيمية والملاكات والتوصيفات الوظيفية ، وأعضاء التدريس الذين تنطبق عليهم الشروط والمواصفات ، ولا يوجد في البلاد أي مركز محاكاة ، أو مستشفى جامعي واحد مرتبط عضويا وإداريًا وماليا بكليات الطب ، ولا تتوفر في اي من المستشفيات الموجودة معايير وشروط وإمكانيات المستشفيات الجامعية مما يجعل من التعليم الطبي يعاني من عوار كبير ، واختلالات جوهرية تنعكس على الثقة والمصداقية والشفافية في المخرجات ، وما هو اسواء من ذلك هي مراحل التخصصات الأكاديمية والمهنية من خلال أجسام متعددة في غالبها تجاري ، ولا اي منها يفي بالشروط والمعايير ، مع غياب مراكز التدريب والمستشفيات الجامعية وأعضاء التدريس المتفرغين ، والاعتراف الدولي بالعملية التعليمية ، وعدم وجود تعاون دولي لتبادل الطلبة والأطباء الخريجين ، ولا للدراسات العليا ، والمسمار القاتل في جسد التعليم الطبي هو التعليم الطبي الخاص والقائم على عوار التعليم الطبي العام ، والذي لا يملك من مقومات التعليم الطبي والتدريب السريري إلا جني الأموال من شريحة مقتدرة أو نافذة ، مع ان المريض الليبي واحد والمجتمع واحد غير أن الأسواق اختلفت ، ولهذا لا تعليم طبي بدون كليات طب متكاملة ومؤهلة ومعتمدة ، ومراكز محاكاة متقدمة ومستشفيات جامعية معتمدة مرتبطة بالكليات الطبية ، وتفرغ كامل لأعضاء التدريس من تتوفر فيهم الشروط ، والتزام وظيفي صارم بالتقييم والمتابعة المستمرة ، وربط التعليم بالاحتياجات الوطنية ، وأجيالنا ذكية وشغوفة بمهنة الطب يحتاجوا لتعليم طبي جيد …
ولا نهضة بلا تعليم ، ولا طب بلا تدريب ، ولا كرامة بلا معرفة.
ولا لتسليع الصحة والتعليم الطبي..
د.علي المبروك أبوقرين