منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

التعليم الطبي واقع وتطلعات

للأسف يتعرض التعليم والتعليم الطبي في بلادنا للتدمير والتلاعب المتعمد ، والذي إنعكس على إنهيار الصحة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ، وحين يدمر التعليم والتعليم الطبي يتحول المجتمع إلى سوق استهلاك بلا إنتاج ، ومستشفى بلا علاج ، وبإنهيار التعليم الطبي يصبح المرض تجارة. والمريض زبون ، والوطن مقبرة .

وينتشر الجهل في ثوب شهادة ، والخطأ في ثوب علاج ، ويكون الطبيب أخطر من المرض ، والتعليم الطبي الفاسد يزرع كوارث في جسد الأمة ، التعليم الطبي الجيد يبداء مبكرا بالمراحل السابقة لدراسة الطب ، والتعليم الطبي له معايير ومتطلبات وامكانيات ومرافق خاصة بمواصافات دقيقة تسمح بالتعليم الطبي المتقدم والتفاعلي ، وبإمكانيات وتجهيزات تعليمية حديثة ، ومكتبة طبية رقمية تحوي كل ما في العالم من كتب ومصادر علمية وأبحاث طبية ،

كلية الطب تعتمد على مناهج مرنة ومتكاملة ، تدمج العلوم الأساسية مع العلوم السريرية ( الاكلينيكية ) من السنوات الأولى ، ويقوم التعليم على حل المشكلات ويتعلم الطالب من خلال قضايا طبية حقيقية تحاكي الواقع ، ويقوم على التعليم الرقمي ، والمنصات الذكية ، والمحتوى التفاعلي ، والواقع الإفتراضي ، والواقع المعزز لتشريح الأعضاء وتصور العمليات بمراكز المحاكاة الطبية التي تستخدم دمي متقدمة وبيئات إفتراضية قبل التعامل مع المرضى ، من خلال مراكز تدريب سريري مزودة بغرف عمليات تعليمية ، وأجنحة تعليمية للطواريء والعناية المركزة ، ومختبرات لتعليم المهارات الأساسية في الفحص وأخد العينات وخياطة الجروح وغيرها قبل دخول المستشفيات ، والتدريب يتم تحت إشراف كامل ومستمر مع التقييم الموضوعي للطلاب ، ( وللأسف لا توجد هذه المراكز بالبلاد ) ، والتي تستخدم في تعليم طلبة الطب وفي التدريب المستمر للأطباء بعد التخرج ، وتعليم الفرق الطبية المتعددة المهام ، والمستشفيات الجامعية هي العمود الفقري والأساس في التعليم والتدريب السريري ، والتي يجب أن تكون مرتبطة مباشرة بالكليات الطبية والتعليم العالي ، ومعتمدة دوليًا ، ومتخصصة وشاملة في كل التخصصات الطبية وفروعها ، ومجهزة بأحدث المعدات والإمكانيات التي تغطي الخدمات الصحية المرجعية والتدريبية والبحثية ، وتقوم بدورها التعليمي والخدمات الصحية للمجتمع ، وأن يكون أعضاء التدريس من تتوفر فيهم الشروط والمواصفات الأكاديمية والمهنية ، ومهارات التدريس والتدريب والتواصل مع المرضى ، والمساهمة في تطوير المناهج ، والالتزام بالاخلاقيات الطبية والمهنية، والتفرغ التام أكاديميًا ووظيفيا للتعليم والبحث والتدريب والإشراف السريري ، ومنع الجمع بين التدريس والوظائف التجارية أو الخاصة ، ( وللأسف هذا غير متوفر ) ،

مع العدد الهائل في كليات الطب والتي تشكل أكثر من 15% من مجموع كليات الطب بأفريقيا ، وتفتفد للمرافق التعليمية وفق المعايير المعروفة ، وكذلك الهياكل التنظيمية والملاكات والتوصيفات الوظيفية ، وأعضاء التدريس الذين تنطبق عليهم الشروط والمواصفات ، ولا يوجد في البلاد أي مركز محاكاة ، أو مستشفى جامعي واحد مرتبط عضويا وإداريًا وماليا بكليات الطب ، ولا تتوفر في اي من المستشفيات الموجودة معايير وشروط وإمكانيات المستشفيات الجامعية مما يجعل من التعليم الطبي يعاني من عوار كبير ، واختلالات جوهرية تنعكس على الثقة والمصداقية والشفافية في المخرجات ، وما هو اسواء من ذلك هي مراحل التخصصات الأكاديمية والمهنية من خلال أجسام متعددة في غالبها تجاري ، ولا اي منها يفي بالشروط والمعايير ، مع غياب مراكز التدريب والمستشفيات الجامعية وأعضاء التدريس المتفرغين ، والاعتراف الدولي بالعملية التعليمية ، وعدم وجود تعاون دولي لتبادل الطلبة والأطباء الخريجين ، ولا للدراسات العليا ، والمسمار القاتل في جسد التعليم الطبي هو التعليم الطبي الخاص والقائم على عوار التعليم الطبي العام ، والذي لا يملك من مقومات التعليم الطبي والتدريب السريري إلا جني الأموال من شريحة مقتدرة أو نافذة ، مع ان المريض الليبي واحد والمجتمع واحد غير أن الأسواق اختلفت ، ولهذا لا تعليم طبي بدون كليات طب متكاملة ومؤهلة ومعتمدة ، ومراكز محاكاة متقدمة ومستشفيات جامعية معتمدة مرتبطة بالكليات الطبية ، وتفرغ كامل لأعضاء التدريس من تتوفر فيهم الشروط ، والتزام وظيفي صارم بالتقييم والمتابعة المستمرة ، وربط التعليم بالاحتياجات الوطنية ، وأجيالنا ذكية وشغوفة بمهنة الطب يحتاجوا لتعليم طبي جيد …
ولا نهضة بلا تعليم ، ولا طب بلا تدريب ، ولا كرامة بلا معرفة.

ولا لتسليع الصحة والتعليم الطبي..

د.علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

تخريب وحرق لمخازن مفوضية الانتخابات في مدن الغرب الليبي… والعملية تتوقف في الشرق!!

في المدن التي انتفضت على النظام عام 2011 من الذي يخشى صناديق الاقتراع؟ ومن الذي …