إطلالة
بقلم /جمال الزائدي
يقولون ربَ ضارة نافعة .. وربما يكون لتعطل الدراسة بالمناطق الجنوبية من مدينة طرابلس وحرمان مئات الآلاف من أطفالنا وأخوتنا من تلقي الدروس، فرصة للتوقف قليلاَ من أجل مراجعة النظام التعليمي المعتمد في بلادنا من أساسه..
حسب ما يتداول هذه الأيام تتجه وزارة التعليم في العاصمة إلى إطلاق برنامج للتعليم عن بعد بطريقة الدروس التلفزيونية ، لتعويض الطلاب والتلاميذ عن إغلاق مدارسهم وتوقف تحصيلهم .. وهي طريقة قديمة عرفتها بلادنا قبل سنوات ، كما عرفتها بلاد أخر مجاورة وبعيدة .. نحتاج للتساؤل حول جدواها ما دامت لن تغير في كثير أو قليل المنهجية التقليدية المعتمدة في نظامنا التعليمي البائس .. طبعا لن أجادل في أهمية إيجاد البدائل الآنية لكارثة حرمان أجيال بأسرها من التعليم بسبب الحرب والأوضاع الأمنية .. لكن إذا أردنا أن نشرع للأمل أبوابه أمام المستقبل ، فعلينا الإفلات من أسر اللحظة الراهنة بكل إحباطاتها .
لنشب بالتفكير إلى ما بعد الخروج من النفق الذي مهما طال فلابد له من نهاية…
كأب لأطفال مازالوا في سن الدرس والتعلم ، وكواحد من ملايين تعلموا في مدارس وجامعات بلادنا.. أدرك جيداَ أن عقوداَ من التعليم الوطني لم تغير في واقعنا الاقتصادي والثقافي والاجتماعي مقدار أنملة ، فمع انهيار السلطة المركزية عدنا إلي مشاهد ما قبل الدولة، قبائل متناحرة تحتكم إلى قوانين بدائية ووسائل وحشية في تسوية خلافاتها وصراعاتها..
التعليم الذي لا يغير في «الذهنية القاعدية» المسؤولة عن طريقة تفكير الفرد ونظرته للعالم وللحياة .. تشكل منظومة قيمه ، قد يكون أسوأ من الجهل والأمية لأنه يشيع حقيقة مزيفة عن المستوى الثقافي للمجتمع ..
الأمر وما فيه أن نظاماَ تعليمياَ يقوم على التلقين والحفظ ، و أثبت عدم جدواه .. لا مناص من أن تقع مسؤولية تغييره على خبراء التعليم والتربية في بلادنا وأن تجند له أجهزة الدولة كل طاقاتها وإمكانياتها المتاحة وغير المتاحة لأنه السبيل الوحيد لتجنب تكرار الكوارث الدموية عبر الدورات التاريخية…
العالم المتقدم منذ فترة ليست بالقصيرة يتجه إلى اعتناق أسلوب التعليم التفاعلي الذي يطرح الجمود والتلقين ويمنح الطالب والتلميذ مساحة أ وسع لتوظيف ملكاته الذهنية ومواهبه الفكرية …ولا بأس ونحن نحاول اقتفاء أثر الحلم – الذي يبدو مستحيلا حتى الآن – لبناء دولة دستورية ومؤسسات حديثة ومجتمع مدني تعددي أن نعرف أن كل ذلك لن يتحقق بدون نظام تعليمي قوي وحديث