الصباح/ حمزة جبودة
يقف الرئيس الأمريكي، على المنبر، وهو يعِد بمعاقبة الخارجين عن القانون وأن الجيش سيتصدّى لهم ويهزمهم، وسيُنهي الحرب الأهلية وسينجح في إعادة أمريكا موّحدة.
بهذا المشهد يفتتح فيلم Civil War “حرب أهلية”، قصته، بإخراج البريطاني أليكس غارلاند
وبطولة كيرستين دانست وواغنر مورا وكايلي سبيني. ويرصد الفيلم المعاناة التي يعيشها الصحفيين والاعلاميين مع الأحداث الدامية، وهم يحاولون التقاط صور ومقاطع فيديو من قلب الحدث وإن كانت ضريبة هذه المحاولات باهضة جدًا.
لم يحدد الفيلم في أي زمن اندلعت فيه الحرب الأهلية، لكن المتأمل لواقع أمريكا اليوم، لن يستغرب وهو يستدعي بعض الأحداث الاستثنائية في قلب العاصمة واشنطن، أبرزها وأخطرها الهجوم على الكابيتول، في أواخر 2021.
ينطلق الصحافيين، ستيفن ماكينلي هندرسون في دور “سامي”، كيرستين دانست في دور “لي”، واغنر مورا في دور “جويل” والشابة المتحمسة للعمل الصحفي والميداني، كايلي سبيني في دور “جيسي”، في رحلة طويلة إلى واشنطن وتحديدًا البيت الأبيض، لإجراء لقاء مع الرئيس الأمريكي، ومن هنا يبدأ الفيلم في توضيح واقع أمريكا الجديد، ولايات ومجموعات مسلحة، قُطّاع طرق، دمار وحرائق، مقابر جماعية، بوابات تخضع فقط للانتماءات السياسية والجهوية، الإعدامات تُنفّذ في كل لحظة وفي أي مكان.
تنطلق السيارة في رحلة صعبة ودموية، يلتقي فيها الصحفيين بقَتَلَة يرتدون بعض الملابس العسكرية، وفي لمح البصر يشهد الصحفيين أول جريمة قتل، وهي قتل أحد رفاقهم الذين التقوا به صدفة في الطريق. وبعدها يواصل الفريق الصحفي رحلته التي تصل إلى أعتاب البيت الأبيض، قبل اقتحام المسلحين وقتل الرئيس الأمريكي، في مشاهد تُوحي بنهاية “الحلم الأمريكي”. يتجه الصحفيين داخل أروقة البيت، وهو يلتقطون الصور في فزع وترقب مع إرهاق نفسي.
نجح الفيلم، في توضيح المتاعب التي يواجهها الصحفيون، في المناطق الساخنة والتي تشهد اشتباكات مسلحة، لكشف الحقائق للناس وتوضيح ما يحدث عبر الصور ومقاطع الفيديو من قلب الحدث، وإن كان ثمن هذا الجهد، حياة الصحفيين أنفسهم.
حرب أمريكية.. أم حرب أهلية!
قصة الفيلم وأحداثها تُشبه ما جاء في رواية “حرب أمريكية” لعمر العقاد، والتي تبدأ أحداثها مع العام 2074 وهو ذات العام الذي اندلعت فيه الحرب الأهليّة الأمريكيّة.
التشابه بين قصة الفيلم والرواية، كبير، مع الاعتبار طبعًا بخصوصية السرد الروائي وسردية النصوص السينمائية التي تعتمد على إبراز المشاهد الرئيسية دون الخوض في التفاصيل.
في رواية عمر العقاد، تنقسم أمريكا بين “الشّمال المسيطر والجنوب المُقاوِم”، ما يؤدي إلى انهيار الدول الغربية بالكامل. وصعود الشرق الأوسط عبر تشكيل كيان سياسي ضخم تحت اسم “امبراطوريّة البوعزيزي” وكل هذا يحدث بعد الرّبيع العربيّ الخامس.
في “حرب أمريكية” تسرد بطلة الرواية “سارات” التي تعيش على المعونات التي تأتي من امبراطوريّة البوعزيزي، وموقعها الرئيسي “شمال أفريقيا”.
أدب وأفلام “ديستوبيا” بدأت في التنبؤ بمستقبل العالم، منذ عقود، وكل تلك الأعمال كانت أشبه بأعمال خيالية، وإن تمت مقارنتها اليوم مع الصراعات الدموية التي تتضاعف كل عام في أغلب دول العالم، فإن تصنيفها سيكون واقعيًا، وهذا ما تقوله الأعمال الفنية الأدبية، التي تناولت واجتهدت في رسم المشاهد الحقيقية التي سيعيشها العالم على أرض الواقع، لا في صالات السينما أو في المكتبات..