منصة الصباح

البحث عن معنى

البحث عن معنى

بقلم// منصور بوشناف

“الانسان يبحث عن معنى” هو كتاب عالم النفس ” فيكتور فرانكل قدمه لي الشاعر محمد قرين ونصحني بقراءته لانه مهم .

وقرأته وادركت ان “قرين” قادني كخبير ممتاز الى كتاب كنت بحاجة لقراءته منذ زمن بعيد وعلمني “قرين” والكتاب ليس حرفا بل صفحات وتجارب اثرت بؤس ايامنا المعرفي .

يسرد الكتاب تجربة مؤلفه “فرانكل” في المعتقلات النازية , ليس تجربته كمعتقل فقط بل كمعالج وعالم نفس متميز وسط ذلك الجحيم النفسي الرهيب , راصدا انهيارات الذات الانسانية وتجريدها من دفاعاتها التي منحها الله لها , لتواجه ليس بصدر عار فقط , بل بكيان عار تماما ماكينات الدمار النفسي والجسدي الشامل .

كنت بالطبع ونتيجة لتجربتي السجنية الليبية البائسة قد قرأت الكثير من مذكرات السجناء وحفرت في داخلي كهوفا من الرعب شلت قدراتي الدفاعية لسنوات حتى بعد خروجي من السجن ولازالت تفعل في افاعيلها امام اي بوليس او مخبر او بوابة او رجل مرور , لازلت اسير متوجسا وادخل المطارات خائفا واغادرها خائفا واتجنب الكلام عن السلطة او شتمها , كنت اتحرر فقط حين اكتب , فالورق والقلم مساحة الحرية الوحيدة التي ظلت لي وحفظت ماتبقى مني .

فرانكل المعالج النفسي والعالم كان يسأل مرضاه اولا “لماذا لم تنتحر ؟” بعضهم يجيب لتعلقه بأسرته او اهله , بعضهم لاسباب دينية او فكرية اما بعضهم الاخر فلانه يملك موهبة يراها هامة ويريد الحفاظ عليها .

لقد ظل السبب الاخير سبب بقائي سجينا وطليقا مهمشا طوال عقود من هذا العمر الصديء كما يقول خليفة الفاخري , ظللت اؤمن بأنني كاتب فقط لاغير وان الكاتب هو ماعلي الحفاظ عليه , اما ماتبقى مني فهوامش .

بالطبع هذه مناورة ممتازة للهروب من كل المسؤوليات , فلست مثقفا عضويا رغم ولع مثقفي العالم الثالت بالعضوية على اية حال , بل لا يسكن اعماقي الا “عدمي” صغير تربى على ميراث البير كامو وكافكا وصمويل بيكيت وهارولد بنتر رغم فرويد وماركس ودارون الذين شكلوا عقلي الضليل .

لست احب السجن ولا الحديث عنه فلقد القيت به كله خلف ظهري وانا اغادر بوابته الكريهة , كنت اريد الخروج بالكاتب والنجاة بما تبقى منه , كنت اخاف على الكاتب من رعب السجين ومخاوفه فهو امهر القتلة للكاتب , السجين اخطر قاتل للكاتب , لايقتله بل يبقيه هناك خلف تلك الجدران القاتلة , كان علي ان اطلق سراح الكاتب من اسر السجين المحبط والمدمر وبتعبير ادق “زومبي الحرية” .

كتبت مسرحية “الارث” نشرت في كتيب صغير في تسعينيات القرن الماضي ,بدات كتابتها بعد خروجي من السجن بشهور قليلة , وانتهت تلك المسرحية على نحو مأساوي فبطلها الذي يغادر السجن على انغام “اصبح الصبح” يقتل الزوجة التي انتظرته والصديق الذي ساعدها على البقاء ويحرق البيت الذي بنته له .

اللعنة , هل كنت اشيطن السجين ونفسي ؟

كلما تذكرت تلك المسرحية “الوقحة” الأن العن الفن لما يقوله لنا قبل ان يحدث
كنت اقف من تلك المسرحية موقف القبيلة من زرقاء يمامتها .

الأن وبعد كتاب دلني عليه “محمد قرين” اتسأل هل كنت اعالج الكاتب كما كان يفعل “فرانكل” مع مرضاه ؟ حيث ينبه المريض الى جانب مضيء ونافع وله معنى في حياته يجعله يتشبت بالحياة رغم بؤسها .

La raison d,etre” “ او مبرر الوجود كما يسميه فلاسفة الوجودية تلك هي المسألة التي علينا ان نجدها لنبرر بقاءنا ووجودنا , ايا كنا وفي كل الظروف. وماعداها هوامش .

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …