منصة الصباح

الانتحار البطيء.

بقلم : آمنة الهشيك

انتشار جرائم القتل المروعة في معظم المناطق الليبية والتي كانت آخرها الجريمة التي هزت الشارع الليبي بعد قتل ثلاث شقيقات لوالدهن رميا بالرصاص وهو نائم . تعجز العبارات وتختفي التعبيرات لوصف مثل هذه الجرائم الشنيعة التي ترتكب في الغالب لأسباب وضيعة .

 لا يمكننا الحد من الجرائم فمتى ما وجد المجتمع وجدت الجريمة ، لكن باستطاعتنا إحكام السيطرة عليها وتقليصها بمعرفة أسبابها ودواعيها . فالجريمة مركبة ومعقدة فهي حصيلة عدة عوامل اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ،ولا يمكن الجزم بتأثير كافة العوامل مجتمعة بنفس الدرجة ، ولكن بالتأكيد هناك عامل محدد له التأثير الأكبر .

 

وزيادة أعداد جرائم القتل خاصة من قبل الشباب في مقتبل العمر. يحتم علينا توجيه سؤال ؛ ما سبب ارتفاع عدد جرائم القتل في السنوات الأخيرة خاصة من فئة الشباب ؟​

من خلال دراسات ميدانية أجريت سنة 2017 على بعض من السجون ،احتلت الجرائم التي تقع على الأشخاص بما فيها القتل النسبة الأعلى بعد جريمة تعاطي المخدرات. كما أن أكثر المرتكبين لها من فئة الشباب والتي تراوحت أعمارهم ما بين الثامنة عشر والثامنة والعشرين .

وفي ذات الدراسة تم توجيه سؤال للمحكومين عن السبب الدافع لارتكاب الجريمة ، كانت النسبة الأعلى تردي الوضع الأمني ، تلاها الفقر من ثم الصحبة السيئة.

فالشعور السائد لدى العموم بأن القانون لا يطبق ، وأنه بالإمكان الإفلات من العقاب وهذا الشعور يخلق نوع من الاستسهال، حتى أصبح ارتكاب الجريمة بطريقة وحشية يسير لدى البعض .

أيضا ما مرت به البلاد في السنوات الماضية ، أدى بالبعض الاعتياد على رؤية مظاهر العنف والنزاعات في الواقع أو على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ينطوي على مخاطر عديدة على الشباب والأطفال.

الرحمة والأخلاق الحسنة هي الصفة الأصل في الإنسان ، وهذا ما نجده جليا في الأطفال فبحسب فطرتهم لا يملكون الأفكار الشيطانية الهدامة ، ولكن هذه الفطرة تتشوه من الوسط المحيط به ، فالتنشئة الاجتماعية هي ما يؤثر به بالدرجة الأولى وهي كل ما يحيط به من أصدقاء ، إعلام ، وسائل التواصل الاجتماعي ،والثقافة السائدة في مجتمعه بشكل عام ، فالإنسان عموما يتأثر ببيئته . وعلى مر التاريخ أي دولة عانت من صراعات داخلية مرت بثلاث مراحل ؛

مرحلة عدم الانتباه ؛ فنحن نعلم ما نمر به ولكن غير واعيين ومدركين بمدى خطورته . وهناك فرق شاسع بين العلم والوعي . فالوعي يستلزم الإحاطة ووضع حلول عاجلة.

مرحلة الاعتياد والتكيف ؛ فتكرار مشاهدة مظاهر العنف يجعل من العقل (اللاواعي ) يتقبلها ويستوعبها بل ويعتاد عليها ! مما يؤدي إلى إكسابه السلوك العدواني والاستعداد الإجرامي دون أن يشعر .

فالتكيف يمر بمراحل بداية برفض الشيء ثم يصبح مقبول ومستساغ إلى أن يقبله العقل ويتأثر به.

مرحلة الانهيار !

لا يمكننا الوقوف على كافة الإشكاليات ، ولكن نحن فقط ندق ناقوس الخطر

فطفل اليوم إن لم يتم توفير البيئة الملائمة له ، حتما سيكون مجرم الغد .

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …