منصة الصباح

الاستعمار الاقتصادي

العالم اليوم تحكمه السياسة الاقتصادية.. فالاقتصاد هو الذي يرسم السياسة والسياسة هي فن استخدام الكذب فكل شئ يمكن فعله من أجل السيطرة على الدول بالاقتصاد.

وهنا أشير على مجلس الأمن باقتضاب فأي دولة نامية إذا وضعت تحت البند السابع يعني حصارها اقتصادياً أى برفعة يد من الخمسة وجرة قلم ويتركونها فلا يفيدها الدبلوماسية وتصبح تستورد غذاء شعبها بأثمان مضاعفة وقد لا تقدر على ذلك فتركع مجبرة ويا سيادي أرفعوني من البند السابع وقائمة الارهاب.

الاستعمار لم يعد يستعمل التدخل العسكري والذي هو مكلف جداً بل أتجه إلى سلاح أقوي ومدمر وهو الحصار الاقتصادي مع دبلوماسية جهنمية فبعد العصور الوسطى ودخول الدول الاوروبية في عصر الكشوفات الجغرافية وبعد أن جثم الاستعمار العثماني على الأمة العربية والاسلامية وأنتقل الظلام من أوروبا إلى العالم الاسلامي والعربي نام العرب وأستيقظت أوروبا وبدأت في وقت سريع الأنتشار في الكرة الأرضية فلم تبق يابسة ولا جزيرة في البحار والمحيطات ألا ونصبو فيها أعلامهم وسموها بأسماء ملوكهم وكنائسهم وقديسيهم وهكذا أصبحت موارد الارض الزراعية والمعدنية بمختلف أنواعها ملك للدول الاوروبية من أستراليا شرقاً إلى الاكوادور غرباً ومن ليبيا شمالاً إلى زيمبابوي جنوباً

أدركت اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أذا أن الحرب المباشرة لم تعد تجدي مع شروق شمس حركات التحرر الافريقية والاسيوية وبعد هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام ادركت الشركات الامريكية العملاقة ومعها الاوربية أن حكاية الحروب المباشرة والسيطرة على ما تبقى من المواقع الاستراتيجية امر مكلف جداً وأنه مهما انتجت مصانعهم من أسلحة لنيفيد رؤيتهم الاستعمارية في شئ بل يزيد ارهاق اقتصادهم فكان الاستعمار الاقتصادي والسيطرة الناعمة هما اللذان يحققان الرؤية الصحيحة للسيطرة على ما تبقى من دول العالم وهكذا اصبحت استراتيجية السيطرة ترتكز على ثلاث ركائز:

– سيطرة الشركات الكبرى على الغذاء

– إثارة حروب اهلية وأقليمية

– مجلس الأمن.

فقد تمكنت الشركات الكبرى الامريكية والاوروبية على مصادر الغذاء في القارات وعلى أقل تقدير تمت السيطرة على الغذاء في اميركا الجنوبية بالكامل إضافة  إلى حصرية انتاجه في كندا واستراليا كالقمح والشعير والارز والدرة ومع تواصل ارتفاع عدد السكان في الدول النامية لم تعد الحكومات في تلك الدول النامية قادرة على أطعام سكانها بما يتواجد لديها من منتجات غذائىة فاتجهت إلى رهن سياستها لدى الدول الاوروبية واميركا.

ولدعم هذا الأتجاه لابد من إثارة الحروب الاهلية والاقليمية في الدول النامية خاصة التي تقع في طرق ومسالك حيوية واستراتيجية وهذا الاتجاه يدعم  الاستعمار الناعم فالحروب الاهلية والاقليمية تعني مبيعات سلاح ضخمة ومستشارون عسكريون قليلون يخططون لهذا الطرف أو ذاك تقتل بعضهم البعض و كلما طال أحد الصراع طالت أرباح شركات السلاح وتمكنت اوروبا واميركا من التموضع القوي في هذه الدولة أو تلك دون أن تفقد جنودها كما كان يحدث في الماضي.

وفي المجال السياسي صنعت الدول الكبرى شيئاً يسمى مجلس الأمن الذي فيه أميركا على سبيل المثال مندوبها برفع أصبعه يمكنه أن ينصف أي قرار ويوزعه بها بصنع سور يمكنه أن يضع أي دولة من الدولة النامية تحت الفصل السابع.

فعند أندلاع الحروب تصبح اوروبا وأميركا متأهبة لفتح صنبور السلاح رافعة لافتة تقول «أقتلوا بعضكم البعض بهذا السلاح وأدفعوا ثمنه» وتزداد فاتورة السلاح فتصبح الدولة تحت رحمة صندوق النقد الدولي الذي انشأته أوروبا واميركا وألبسته رداء الدولية وهكذا تم السيطرة الناعمة عندما ننظر إلى هذه الركائز الثلاثة للسيطرة «الناعمة» نجد أن ركيزة الحروب الاهلية والاقليمية تدعمان الركيزة الأولى الأساسية وهي «ركيزة الاستعمار الاقتصادي» فالشركات الامريكية والاوربية تسيطر على كامل المنتجات الزراعية والذرة والسكر في حين تحتكر الشركات الكندية والاسترالية بالكامل منتجات القمح.

وظهرت أيضاً شركات أطلق عليها الشركات العابرة للحدود وهي كسمية يراد بها تغطية طبيعة هذه الشركات ومشغليها في الدولة الأم وهي في الحقيقة ليست عابرة الحدود أو متعددة الجنسية أنما عابرة بالاستعمار الاقتصادي تحت غطاء العولمة ويبلغ عدد الشركات المسماة عابرة للحدود أكثر من 500 شركة يصل حجم تعاملها المالي تريليون دولار في اليوم وتمركزاتها الاصلية في ثلاث تمركزات وهي:

153 شركة امريكية أوربا – الاتحاد الاوربي 155 شركة واليابان  141 شركة وهذه الشركات وغيرها التي تحتكر الغذاء والدواء وتقنية المعلومات ويتشابك فيها الاقتصاد بالسياسة وتبقى الدول النامية تحت حتمية هذه الشركات التي هي في حقيقة أمرها مفصل من مفاصل الاستعمار الناعم.

ورغم الخطر المحدق القادم من هذه المرتكزات إلا أن الدول النامية لازالت تذهب بقدكميها نحو الارملة السوداء «البنك الدولي» ولازالت الدول النامية تدفق ثمن الحروب التي يخطط لها الاستعمار الناعم دماً ومالاً.

حسين عقيلة الورفلي

شاهد أيضاً

المنفي يبحث عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بطرابلس

  ناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، عودة السفارة الصينية واستئناف عملها بالعاصمة طرابلس. جاء …