نقطة نظام
بقلم /فوزي البشتي
«عشت حياتي بعبقرية وكتبت كتبي بذكاء» كأن هذه الجملة حين قالها »برتاردشر» قالها عن العرب اجمعين ، فحياتنا أكثر فنية وعمقا من إنتاجنا إنها الملحمة اليومية المستمرة والممتدة على مدى عقود فإذا كانت الحياة تقاس بعمق التجارب والمعاناة فحياتنا العربية لم تقدم انتاجاً واحداً بحجم وعمق هذه التجارب وتلك المعاناة إن حياة أي عربي لايمكن أن تقاس بإمتدادها الزمني بل بعامل عمقها وتعدد تجاربها قدر ما ألفه «سوفوكليس» في المسرح الاغريقي وما أنتجه الخيال الإساسي الجماعي في ملحمة «جلجامش».
عاش العربي وتمتع بعسف الحياة ونهل في المدد اللاإنساني منها ينام تحت سماء ويستيقظ صباحاً تحت سماء أخرى.
تغفو أجفانه ثقلاً من رخاء ويستيقظ على غزو يتشدق في الليل بأفكاره وديمقراطية وطنه، ويستيقظ على حرب أهلية ومذابح طائفية.
عاش الحياة بكل دروبها وآلامها أعرف القمع والإرهاب وسجن الوطن الكبير والهرب من الطواغيت كفأر مذعور.
عرف أطفاله اليتم وثكلت نساؤه وترملت وناحت ولطمت ولم تنس دفة حياته أن تسيطر الجهل والتجهيل الفقر وأمراض البيئة.. ماعرف الضمانات الحياتية والمستقبلية لنفسه ولأسرته بل كانت طمأنته الوحيدة دقات قلبه العازفة كطنين طبل!!
هلع وخوف يحمل هويته في العالم كمن تأبط شراً وأثار ريبة … ومع ذلك يلومون العرب لسوء إنتاجهم الحضاري في السينما والمسرح، وفي الرواية والشعر وفي فن العمارة وكل ضروب الفنون التشكيلية والتأليفية والتركيبية وينسون واقعاً تاريخياً بسيطاً كبساطة الأطفال وهو أنه لم تنتج للحضارات ولم تعط أعظم مالديها إلا في زمن الاستقرار والرفاه الديمقراطية والرخاء والحرية وضمانات الغد.
لقد عاش العرب في زمنهم البعيد والقريب والحالي ، حياتهم بعبقرية.. وتبارك انتاجهم النازف من الأنامل المحترقة فهم ليسوا بآلهة ليبدعوا في الضفتين.