كشفت دراسة جديدة عن منطقتين في الدماغ تتحكمان بنظرتنا تجاه الآخرين في سياق اجتماعي، سواء على المدى القصير أو الطويل. وهذا الاكتشاف قد يمهد الطريق لعلاج اضطرابات مثل التوحد.
لعبت النظرة دورا رئيسيا في التفاعل الاجتماعي للحيوانات، بما في ذلك القردة. فهي تستخدم لإرسال المعلومات واستقبالها على حد سواء. وقد حدد علماء من جامعة ييل منطقتين في الدماغ تساهمان في هذا النوع من الانتباه الاجتماعي.
تقدم هذه النتائج فهما أعمق لكيفية حدوث هذا السلوك المعقد، وكيف يمكن استخدامه لتحسين التفاعل الاجتماعي في حالات مثل التوحد، حيث يواجه المصابون صعوبة في الانتباه للآخرين.
نُشرت الدراسة في مجلة “نيورون” بتاريخ 31 مايو.
يقول ستيف تشانج، أستاذ مشارك في علم النفس والأعصاب بكلية الآداب والعلوم بجامعة ييل والمؤلف الرئيسي للدراسة، أن التواصل البصري الاجتماعي جزء لا يتجزأ من التفاعل الاجتماعي بالنسبة للرئيسيات.
ويوضح تشانج: “على سبيل المثال، ترغب القرود في معرفة ما ينظر إليه الآخرون فقد يكون هناك المزيد من الطعام أو الموارد المتاحة. لكن من ناحية أخرى، فإن إطالة النظر يمكن أن يُفسر على أنه تهديد. لذلك هناك توازن دقيق بين متى ننظر إلى عيون الآخر للحصول على معلومات ونتجنب إيصال رسالة خاطئة.”
في دراسة سابقة، حدد تشانج وزملاؤه مناطق معينة في شبكة الدماغ التي تربط قشرة الفص الجبهي باللوزة (المسؤولة عن العاطفة) حيث يزداد نشاط الخلايا العصبية كلما حدقت القرود في بعضها البعض. أما في الدراسة الجديدة، أراد الباحثون معرفة مدى تأثير هذه المناطق على سلوك التحديق الاجتماعي.
لتحقيق ذلك،أجرى الباحثون تجربة على زوجين من قرود المكاك البري (نوع من القردة) واستخدموا كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتتبع حركة عيون القردين. وعندما ينظر أحد القردين إلى عيون الآخر، يتلقى تحفيزًا كهربائيًا ضئيلاً ومباشرًا في واحدة من ثلاث مناطق دماغية مختلفة. ثم قام الباحثون بمراقبة كيفية تغير نظرة القرد الذي تم تحفيزه.
ووجد الباحثون أنه بعد تحفيز منطقة معينة في قشرة الفص الجبهي تسمى “قشرة أمامية حجاجية”، أصبح تركيز نظرات القرد بشكل عفوي على عيون رفيقه أكبر خلال الثواني التالية، كما قلت الفترة الزمنية بين كل نظرة وأخرى بشكل ملحوظ، بالمقارنة بالقرود التي لم تتلق أي تحفيز.
وقال تشانج: “يعمل تحفيز هذه المنطقة أيضًا على تقليل الوقت الذي يستغرقه القرد لمقابلة نظرة القرد الآخر. لكن لم نلحظ أيًا من هذه التأثيرات عندما كان القردان في تفاعل غير اجتماعي، أي ينظران إلى نقطة متحركة بدلاً من عيني قرد آخر.”
لكن تحفيز قشرة الفص الجبهي الظهراني أظهر تأثيراً فريداً على المدى الطويل لم يُشاهد في المناطق الأخرى. فعلى مدار جلسات التحفيز التي استمرت ساعة ونصف، غيّر تحفيز قشرة الفص الجبهي الظهراني كيفية تبادل النظرات بين القردين.
وقال تشانج: “تفاعلت نظرات القردين الشريكين بمرور الوقت في نمط يشبه القائد وال تابع. وعلى مدار فترة التحفيز، تعززت هذه العلاقة، ولكن فقط مع تحفيز قشرة الفص الجبهي الظهراني.”
تكشف النتائج مجتمعة عن المساهمات المهمة التي تقدمها هاتان المنطقتان في الدماغ عندما يتعلق الأمر بالتفاعل البصري الاجتماعي اللحظي وعلى المدى الطويل. ومعرفة كيفية مساهمة هذه المناطق في التفاعلات الاجتماعية، والتواصل البصري الاجتماعي على وجه التحديد، يسلط الضوء على أماكن تركيز التدخلات لتعزيز السلوك الاجتماعي حيث يتضاءل، كما يقول تشانج.
وأضاف: “يمكننا أن نتخيل نهجًا علاجيًا مستقبليًا يعتمد على هذه النتائج باستخدام واجهة حاسوب دماغي اجتماعي، حيث نستهدف هذه المناطق لتحسين الانتباه الاجتماعي اللحظي وعلى المدى الطويل.”