بقلم /د.علي المبروك أبوقرين
عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية
ونحن على مشارف اجتماعكم الموقر في دولة الجزائر الشقيقة .
أسمحوا لي وليتسع صدركم قليلا بأني أبشركم أننا لن نحقق التنمية المستدامة وفق إستراتيجيات الأمم المتحدة 2030 ولا حتى 2050 . لأسباب عدة ومنها ما يمر به العالم هذه الفترة من تبعات الأوبئة ، والحروب والتغيرات المناخية ، والظروف الاقتصادية ، وما طرأ لبعض الدول العربية من ظروف سياسية وصراعات محلية أدت الى ما آلت اليه الأوضاع في تلك الدول ، ولعدم جدية العمل العربي المشترك بالرغم من توافر كل سبل النجاح والتقدم .
وإذ نعلم جميعًا أن أحد أهم الأسباب والعوامل لتحقيق التنمية المستدامة هى : الإصلاح الصحي وإعادة هيكلة النظم الصحية ، وتحقيق التغطية الصحية الشاملة ، والحماية الاجتماعية ، وتحقيق العدالة والمساواة في الخدمات الصحية ، وتحقيق الأمن الصحي لكل السكان البدو قبل الحضر ، والريف قبل المدن . وهذا يتطلب أولاً تنفيذ إستراتيجيات تعزيز الصحة ، وتمكين المجتمعات من صحتهم وتحسينها . ولن يتأتي إلا بخلق بيئات أُخرى للمجتمعات العربية تمكنها من أن تعيش وتربي أبنائها وتنمو وتعمل في بيئات تعزز الصحة ، كالسكن الصحي اللائق والمياه النقية الصالحة للشرب والزراعة ، ومنظومات لشبكات الصرف الصحي ، والتخلص من النفايات وتوفير الوقت وأماكن ممارسة الرياضة والترفيه ، وبيئات عمل تحقق طموحات المجتمعات المنتجة والتي ترغب في أن تتقدم المجتمعات الأخرى في العلوم والمعرفة والإنتاجية ، وتحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي والدوائي والاقتصادي لتحقيق المحددات الاجتماعية والاقتصادية لحياة صحية منشودة ، وهذا كله يحتاج الى إتخاذ إجراءات فعالة محلية وعربية ، ومنها إعادة النظر ومراجعة التشريعات والقوانين الصحية المعمول بها وتطويرها وتحديثها بما يحقق المطلوب ، واعتماد السياسات الصحية بكل القطاعات والبناء عليها في كل ما له علاقة بالإنسان والنبات والحيوان والبيئة ، وتمكين المجتمعات من الموارد الاقتصادية لحياة صحية للأجيال الحالية والقادمة
، ونظرًا لأن العالم يمر بحقبة صحية صعبة في ظل إنتشار الأوبئة ، وزيادة الأمراض النادرة والأمراض المزمنة مما زادت الأعباء على الآنظمة الصحية بما يستوجب مضاعفة السعة السريرية في أحسن الأنظمة الصحية ، واكثر من ذلك في غيرها التي تعاني أنظمتها الصحية من ضعف وهشاشة وقلة الموارد ،وكذلك القوى العاملة الصحية التي تحتاج لأكثر من أضعاف الموجود حاليًا في أفضل الأنظمة الصحية ، والأكثر بكثير في غيرها .
وتحتاج جميعها لتطوير التعليم والتدريب الطبي والصحي للرفع من كفاءات الكوادر الطبية والطبية المساعدة والفنية والإدارية لتتماشى مع التطورات التقنية والعلمية والتكنولوجية ، ونعلم جميعا حجم هذه المشكلة في كل الدول العربية ، وكذلك ضرورة إتخاذ الإجراءات اللازمة لتطوير الرعاية الصحية الأولية بما يجب أن تكون عليه ، وتحقق الأهداف المرجوة للمحددات الاجتماعية والصحية ، والقادرة على توفير الخدمات الصحية لكل الناس وفي متناول الجميع ، وسهلة الوصول اليها والحصول عليها ، وتغطي جميع متطلبات وإحتياجات المجتمع الصحية . بدء من المشورة الطبية والطب الوقائي الذي يحقق الحماية اللازمة الاستباقية ومكافحة جميع الأمراض المعدية والمزمنة والنادرة ، والمتابعة الصحية الشاملة من قبل الميلاد الى ما بعد الوفاة لكل الفئات العمرية لكل الناس ، ويعلم الجميع أن 75 % من الأمراض المزمنة بالإمكان تفاديها وحماية المجتمعات منها ، وكذلك الأمراض المعدية اذا توفرت النظم الصحية الجيدة والقوية بالإمكان حماية الأمم والشعوب من خطر تهديدات الأوبئة
. ولكن نظرا للتفاوت في الأنظمة الصحية العربية والظروف الاقتصادية والاجتماعية ، وللحاجة الماسة للعمل العربي المشترك لدعم النظم الصحية العربية ، وحماية المواطن العربي من الأمراض .
نرجوا منكم أن تتخدوا القرارات المرجوة التي تعزز التعاون والعمل العربي المشترك الجاد ومنها ضرورة دعم التعليم والتدريب الطبي والصحي من خلال دعم الجامعات والأكاديميات الطبية والصحية العربية الرسمية ،
ومنها من له تاريخ عريق وساهم في بناء الكوادر الطبية العربية لجيلنا والأجيال التي سبقتنا ، وضرورة دعم البحوث والدراسات العلمية الطبية والصحية ،
وإنشاء او تأسيس الهيئة العربية لمكافحة الأوبئة والأمراض .
والهيئة العربية لإعتماد المؤسسات الصحية .
والهيئة العربية للشراء الموحد للأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية .
وتوحيد التسجيل الدوائي ، ووضع المعايير العربية الموحدة للتصنيع الدوائي الجيد ،
وضرورة توطين الصناعات الدوائية ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية واللقاحات ، والمستلزمات الطبية ، ووضع التشريعات والقوانين العربية اللازمة لحماية المجتمعات العربية من الأدوية والمستلزمات المهربة والمزورة والمغشوشة ، والممارسات الطبية الخاطئة ، والتعليم والتدريب الطبي والصحي الموازي والغير معتمد ..
وضرورة توحيد التشريعات الصحية التي تضمن الحق في الصحة وسلامة المرضى ، والممارسة الطبية الآمنة ، وانتقال المريض العربي بسهولة وسلاسة بين النظم الصحية العربية ، وتشجيع توطين العلاج ،
ووضع الآليات اللازمة للاستفادة من الخبراء والاساتذة والأطباء والبحاث العرب المقيمين في الخارج والذين يغطون النسب الأعلى للنظم الصحية والمراكز البحثية بالدول الصناعية المتقدمة ..
ونرجوا منكم توجيه الاستثمارات العربية في الاستثمار البشري لسد فجوات النقص الحاد في القوى العاملة الطبية والصحية المؤهلة ، والاكتفاء الذاتي من الأدوية واللقاحات والمستلزمات والمعدات الطبية ،
وسد فجوات التفاوت بين الأنظمة الصحية العربية والنهوض بها جميعًا .
فالعرب لديهم تاريخ طبي عريق سابق الأمم ،ويمتلكوا ثروات هائلة ، وكوادر وأطباء وعلماء مشهود لهم عالميًا ، والشعوب العربية شابة متطلعة للعلم والمعرفة .
بالإرادة وحسن إدارة الموارد المالية والبشرية وبالتعاون والعمل العربي المشترك والجاد يتحقق الرفاه وتتمتع المجتمعات العربية بالصحة والعافية
وبالامكان العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتغطية الصحية الشاملة والحماية الاجتماعية ، وتحقيق الأمن الصحي للأمة العربية
فقط وحدوا جهودكم وسخروا إمكانياتكم لتحقيق الصحة والعافية والرفاه لشعوبكم..
نملك ما لا يملكه غيرنا وقادرون إن أردنا ..
*معا لصحة أمتنا العربية*