بقلم /جمال الزائدي
موجة التفاؤل التي عمت مواقع التواصل وبعض الصحف الالكترونية الرصينة ، حول عالم مابعد كورونا الذي ستنتهي فيه هيمنة الرأسمالية المتوحشة بقيادة الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب لصالح المنظومة الصينية الأكثر انسانية والاقرب الى قيم العدالة الاجتماعية ..ليست الا برق خلب لارعد بعده ولا غيث نافع يرجى منه ..اذ ان هذا التفاؤل قائم على انحيازات ايديولوجية أقرب للأماني منها إلى التحليل الموضوعي المؤطر بمنهجية علمية واضحة ..
منذ طوفان نوح الشهير مرت البشرية خلال الاحقاب بكوارث مدمرة ..أنعشت آمال المستضعفين في الارض بميلاد عالم جديد أقل قسوة وأكثر رحمة ..ولقد سجل التاريخ ومضات عابرة تمتعت فيها بعض المجتمعات بشيء من العدالة والتسامح والسلام القائم على المساواة تحت رعاية مصلحين عظام وأنبياء ورسل ، لكنها ظلت تجارب تحتل هامشا ضيقا وغير مذكور ، أمام متن عريض ومسيطر ، وسم الزمن الانساني المحكوم بالجريمة ومنطق البقاء للأقوى..
قد تنتهي تداعيات الجائحة العالمية – كما نأمل ويأمل الكثيرون – الى تقليم مخالب الهيمنة الامريكية على اقتصاد ومقدرات العالم ..بل قد تسفر عن انهيار الوحش الامريكي الاسطوري نفسه وتشظيه إلى خمسين دولة هي بالضبط عدد الولايات التي تشكل كيانه العملاق ..لكن ذلك لن يكون ايذانا بقيام مملكة السماء التي ستمتلئ انهارها بالعسل واللبن ويرعى في براريها الذئب والحمل ..فإذا ذهبت أمريكا ستأتي “أمريكات” أخرى .. واذا استقال العم سام ..سيتقدم آخرون ليأخذوا مكانه ..الطابور طويل قد يبدأ من الصين ولاينتهي إلى روسيا ..
أما ما لاتريد قبيلة الرومانسيين الاعتراف به ، أن الهيمنة ليست عقيدة ولا ديانة ، بل تجل من تجليات القوة ..القوة في وجهها الاقتصادي او العسكري او السياسي تحمل في قانون حركتها الذاتية نزوعا الى الهيمنة والتوسع والاستحواذ ..وفي منظومة الامثال الشعبية يقال ” القوة تعلم الصراع”..
ان الصين التي طالما هجت السلوك الاستغلالي الامبريالي الامريكي ، منذ ايام الراحل ماوتسي تونغ وكتابه الاحمر الذي أكله غبار الاهمال بعد ان تحولت بكين الى ثاني اقتصاد رأسمالي في العالم .. ستتحول الى نسخة أكثر قسوة ربما من امريكا التي ننتظر انهيارها ضمن أمانينا المتفائلة بعالم مابعد كورونا ..
وبعد كل ذلك لن يتغير علينا شيء نحن الذين سننتقل من عبودية سيد الى عبودية سيد آخر ، الا اذا كان لون بشرة من يسيطر على مواردنا الطبيعية ويتحكم في مستوى معيشتنا ، أمر مهم ومفصلي في تحديد طريقة تعاملنا معه ..