النظم الصحية في العالم متعددة الأوجه والأنماط ، وتختلف في الأهداف والفلسفة والبنية من دولة لأخرى ، وتنعكس الفوارق على الإنصاف والعدالة الصحية ، والكرامة الانسانية ، وعلى الكفاءة والجودة ، وهناك نماذج أساسية معروفة ومنها :
– النظام الصحي التجاري الذي تكون فيه المنظومة الصحية سوق حرة تهيمن فيها شركات التأمين الصحي على القرارات العلاجية ، وكل شئ له سعره من الاستشارة إلى الفحوصات ، إلى كل إجراء وعمل يقدم للمريض بما في ذلك الإسعاف والطوارئ ، وتتحكم شركات الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية في الطلب والاسعار وتوزيعها ، ويعتمد هذا النظام على الربح وليس على الحاجة والضرورة ، ويتسم بالتمييز في الحصول على العلاج بين الأغنياء والفقراء ، ويستنزف هذا النظام الموارد وما يزيد ، على حساب الرعاية الوقائية ، ويشكل عبء مالي كبير على الطبقات الوسطى ويستنزف جميع مواردهم ومدخراتهم إن وجدت ، والطبيب عبارة عن مزود للخدمات والمريض ما هو الا زبون .
في هذا النوع من الأنظمة تنتشر الأنشطة التجارية الطبية والتسويق والترويج التجاري الطبي والاستثمارات الصحية الربحية ..
– النظام الصحي الهش وهذا ينتشر في أغلب الدول الفقيرة او التي تعاني من الفوضى أو ضعف في الإدارة ، وهذا النظام الصحي يعيش على الارتجال والفوضى والتخبط ، ويعاني من غياب أو نقص أو تدبدب التمويل ، وضعف البنية التحتية الصحية ، ويتسم بتعدد المؤسسات والهيئات الصحية المستقلة الموازية ، وغياب الرقابة والحوكمة والمساءلة ، ويتحول فيه القطاع الصحي إلى فرصة أو غنيمة معيشية للعاملين فيه ، واستغلال المرضى ماديًا ، وتشغيل المؤسسات الصحية العامة لحسابهم الخاص ، وتتحول المستشفيات الى مكان للتدريب المباشر على المرضى في غياب الاشراف والرقابة والمتابعة ، وتجرى الممارسات الطبية الخاطئة ، وهذا النظام يتسم بضعف أو انعدام الأخلاقيات المهنية ، مع انتفاء الثقة بين المريض والطبيب ، وهذا النوع من الآنظمة تعاني من هجرة الكفاءات وسوء توزيع الأطباء جغرافيًا وتخصصات ، ولا تتوفر بها جودة الخدمات الصحية ، ولا تطبق بها أي من المعايير ( لا جودة ولا امان ولا سلامة ) ، والمرضى يعانون من المرض والاذلال ، وينتشر التعليم الطبي الخاص المزيف ، وشركات التدريب لمنح الشهادات المضروبة ، وتغرق الأسواق بالأدوية المزيفة والمغشوشة ، ( باعة الدواء والشهادات كالباعة الجائلين ) ..
– النظام الصحي المختلط وهذا مزيج بين العام والخاص ، وفي الغالب لا يوجد لهم اي تنظيم مما يفاقم من استغلال القطاع الخاص للموارد العامة ( أطباء وتمريض وفنيين وإداريين وعمال نظافة وادوية ومستلزمات ومعدات ومرضى )
وتتسم هذه الآنظمة بتضارب المصالح ، والمريض يحال مرغما إلى العيادات والمصحات والمعامل ومراكز التشخيص والتأهيل والصيدليات الخاصة ، ويوجه إلى منتجات معينة لشركات مخصوصة ، والمريض غنيمة الى آخر فلس في جيبه أو آخر ما يملك من مدخراته ، والخدمات قائمة على حجم وعدد الإجراءات لتضخيم الفواتير ، وليست قائمة على النتائج والقيمة ( Value )
وهذه الآنظمة الصحية ينخرها فساد بنيوي في التوظيف والترقية والتكليف واللجان والهيئات والمؤسسات والمناقصات والمشتريات والعقود وهلم جر ، وهذا يؤدي إلى فقدان الثقة في المنظومة الصحية ، وهدر كبير في الموارد دون أي فائدة أو عائد على صحة وحياة الناس ، وبالضرورة غياب تام للرقابة والمتابعة والمساءلة والشفافية والحوكمة .
– النظام الصحي الإنساني العادل
هو النظام الصحي الذي يحقق المعايير المبنية على الحقوق والكرامة وليس على الأرباح والمكاسب ، ويحقق التغطية الصحية الشاملة دون تمييز بين الناس والمناطق ، ويقوم على الخدمات الصحية الوقائية والاستباقية والتنبؤية والرعاية الطبية الأولية الشاملة والمتكاملة وليس على الخدمات الاستشفائية فقط ، وهذا النظام يتسم بالشفافية والحوكمة والمساءلة ، والمشاركة المجتمعية ، ويوجه الموارد لمكافحة الامراض والكشف المبكر والعلاج المبكر والاستثمار الحقيقي في الصحة والانتاجية الفردية ، وتحقيق المؤشرات الصحية العالية العالمية وزيادة متوسط الاعمار بدون أمراض ، وتوجيه آكثر للاستثمار في التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة ، والتعليم والتدريب الطبي والصحي المتقدم والمعتمد الذي يضاهي الجامعات والمعاهد والمراكز الطبية والصحية العالمية المتقدمة .
إن النظام الصحي هو إنعكاس مباشر لضمير الدولة والمجتمع ، وحين يبنى على جني الأرباح والثراء يضيع الانسان والمجتمع وينهار الاقتصاد ، وحين يبنى النظام الصحي على الحقوق والكرامة والإنسانية يضمن مجتمع سليم جسديًا وعقليًا وأخلاقيًا ..
د. علي المبروك أبوقرين