منصة الصباح

أصدقاؤنا‭ ‬الرائعون‭ ‬

نقطة‭ ‬بيضاء

بقلم /د‭. ‬أبولقاسم‭ ‬صميدة

بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬كالكتب‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭  ‬نحتفظ‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬بيوتنا‭ ‬ومكتباتنا‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬قراءتها‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬،‭ ‬ونأخذها‭ ‬معنا‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬رحلنا،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬شكلها‭ ‬جيد‭ ‬ومختلف‭ ‬وبنط‭ ‬كتابتها‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬غلافها‭ ‬يسر‭ ‬الناظرين‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬تحمل‭ ‬قدرا‭ ‬مما‭ ‬نبحث‭ ‬عنه‭ ‬ونفتقده‭ ‬،‭ ‬هكذا‭ ‬هم‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬ليس‭ ‬بأشكالهم‭ ‬وأحجامهم‭ ‬ونسبهم‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬بسلوكهم‭ ‬واخلاقياتهم‭ ‬وجماليات‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬عنهم‭ ‬من‭ ‬ود‭ ‬ومجاملة‭ ‬وإنسانية‭ ‬وذوق‭ ‬،‭ ‬ومثلما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬المنمقة‭ ‬وذات‭ ‬الأغلفة‭ ‬البراقة‭ ‬وهى‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭ ‬ولا‭ ‬تضيف‭ ‬لقارئها‭ ‬شيئاً‭ ‬فهناك‭ ‬اشخاص‭ ‬بنفس‭ ‬المواصفات‭ ‬ولكنهم‭ ‬كغثاء‭ ‬السيل‭ ‬،‭ ‬لهذا‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬خصلة‭ ‬رائعة‭ ‬فى‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬صاحب‭ ‬حتى‭ ‬نتمسك‭ ‬به‭ ‬ونٌجلّه‭ ‬ونوقره‭ ‬فى‭ ‬نفوسنا‭ ‬ككتاب‭ ‬ثمين‭ ‬بين‭ ‬الكتب‭ ‬العابرة‭ ‬،‭ ‬ونضعه‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬ككتاب‭ ‬مهم‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الأرفف‭ ‬بل‭ ‬فى‭ ‬القلب‭ ‬،‭ ‬لقد‭ ‬كنا‭ ‬نرمي‭ ‬كتبنا‭ ‬ونحن‭ ‬تلاميذ‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الامتحانات‭ ‬،‭ ‬نلقي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬تحررنا‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬الدراسة‭ ‬والاختبارات‭ ‬ومخاوف‭ ‬الرسوب‭ ‬والفشل‭ ‬،‭ ‬وكنا‭ ‬نعبث‭ ‬بالكتب‭ ‬ونمزق‭ ‬صفحاتها‭ ‬،‭ ‬وحين‭ ‬كبرنا‭ ‬وعرفنا‭ ‬الحياة‭ ‬وقيمة‭ ‬الحكمة‭ ‬بدأنا‭ ‬فى‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬ببعضها‭ ‬تماما‭ ‬كاحتفاظنا‭ ‬باشخاص‭ ‬رائعين‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬،‭ ‬وربما‭ ‬هناك‭ ‬ارتباط‭ ‬بين‭ ‬الكتاب‭ ‬ومحتواه‭ ‬وطريقة‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬كانت‭ ‬ستواجه‭ ‬مصيرا‭ ‬بائساً‭ ‬لولا‭ ‬ما‭ ‬تحتويه‭ ‬،‭ ‬وكثيراً‭ ‬من‭ ‬محتويات‭ ‬الكتب‭ ‬وابطالها‭ ‬صنعت‭ ‬مجدا‭ ‬للكتاب‭ ‬ولمحتواه‭ ‬وفكر‭ ‬مؤلفه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬صنع‭ ‬المؤلف‭ ‬نفسه‭ ‬،‭ ‬فلولا‭ ‬كتاب‭ (‬أصل‭ ‬الانواع‭ ) ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬أحد‭ ‬بدارون‭ ‬،‭ ‬ولولا‭ ‬كتاب‭ ( ‬الأمير‭ ) ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬أحد‭ ‬بمكيافيلي‭ ‬،‭ ‬ولولا‭ ( ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ) ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬أحد‭ ‬بماركيز‭ ‬،،‭ ‬لقد‭ ‬عاشت‭ ‬كلمات‭ ‬وسلوك‭ ‬وعبارات‭ ‬ابطال‭ ‬تلك‭ ‬الكتب‭ ‬فى‭ ‬ذاكرة‭ ‬الناس‭ ‬والقراء‭ ‬حتى‭ ‬اصبح‭ ‬حضورهم‭ ‬حقيقياً‭ ‬وليس‭ ‬افتراضياً‭ ‬خصوصا‭ ‬حين‭ ‬نكرر‭ ‬عباراتهم‭ ‬،‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬نستحضر‭ ‬كلمات‭ ‬وتصرفات‭ ‬وطريقة‭ ‬حديث‭ ‬اصدقائنا‭ ‬المحببة‭ ‬لقلوبنا‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬كيف‭ ‬كانوا‭ ‬يقدمون‭ ‬النصح‭ ‬والمشورة‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬لمن‭ ‬حولهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلهم‭ ‬كتباً‭ ‬مميزة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬وتبقى‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬،‭ ‬فلنجعل‭ ‬لأصدقائنا‭ ‬مكانا‭ ‬جميلا‭ ‬فى‭ ‬قلوبنا‭ ‬ولنعاملهم‭ ‬ككتاب‭ ‬يستحق‭ ‬الاهتمام‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬واعترف‭ ‬بأن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاصدقاء‭ ‬اهملناهم‭ ‬وانشغلنا‭ ‬عنهم‭ ‬،‭ ‬لكنهم‭ ‬يبقوا‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬القيّم‭ ‬والممتلىء‭ ‬بالابطال‭ ‬واللحظات‭ ‬الجيدة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تٌنسى‭ .‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …