بقلم / جمال الزائدي
هـل ثمـة جـدوى مـن إسـالة الحبـر وأنهار الدم تغطـي أديـم الأرض إمتثـالا لمقـولات محنطـة
عتقهـا الزمـان فـي كأسـه الذهبيـة المقدسـة..؟ إســتفهام يتجــاوز عتبــة البديهــة لكــن
تبــرره قتامــة الصــورة التــي يســجلها واقعنــا اليــوم..
لا يســتطيع المــرء إعطــاء إجابــة متفاءلــة تهــب بعــض العــزاء لهــؤالء الذيــن إســتجابوا
لغوايـة الحلـم وآمنـوا بسـلطة الكلمـة والعقـل فـي إحـداث التغييـر وبعـث الحيـاة فـي أوصال أمـة داهمهـا العجـز باكـرا ..ثـم إسـتنامت لـه قرونـا متطاولـة .. دون أن تنجـح المحـاولات الخجولــة فــي إعــادة إتصالهــا بلحظتهــا الراهنــة ومســتقبلها المتلفــع بالغمــوض..
مـن جانـب آخـر اليمكننـا غـض الانتبـاه عـن قائمة طويلــة مــن األســماء اللامعــة التــي إنخرطــت فــي نضــال ” ســيزيفي » منقطــع النظيــر للإفــات مــن أســر بحــر الرمــال المتحركـة التـي دفنـت تحتهـا براعـم المشـروع الحضــاري العظيــم بمجــرد أن إســتعاد “هبــل” وأيقوناتــه الحجريــة االخــرى القــدرةعلــى تأبيــد حضــوره فــي مفــردات الكيــان الثقافــي الجديــد مســتعيرا وجوهــا جديــدةلمنظومتــه القديمــة..
قائمـة طويلـة إنتهـت معظـم الاسـماء الـواردةفيهـا إلـى مصائـر متفاوتـة فـي وحشـيتها بيـن
المــوت غيلــة والســجن والتعذيــب والنفــي والاســتبعاد حســب طبيعــة وقســوة الســلطة
الزمانيــة والدينيــة التــي ســادت فــي فتــرات ظهورها ….
الإستشــهاد بأســماء محــددة ســيثير غبــارالخالف والشحناء ..أكثر مما سيفيد البرهان علـى أن تاريـخ الفكـر العربـي االاسـلامية لـم يكــن بأكملــه رجــع صــدى لقــراءة واحــدة
متغلبــة فرضتهــا ضــرورة الصــراع السياســي الطبقــي فــي ظــرف إســتثنائي خــارج الســياق
الطبيعــي للمشــروع الحضــاري التاريخــي الـذي شـهدت والدتـه شـعاب مكـة بعـد ظهـور
النبــي العربــي الأمــي محمــد بــن عبــد الله »صلـوات الله وسـلامه عليـه . ..
كل المحـاولات التــي إرتبطــت بأســماء أصحابهــا جمعتهــا تهمــة واحــدة تحمــل حكمــا قيميــا مطلقــا “الزندقـة” و” التكفيـر ” ..وتحـت هـذه المظلـةالفسـيحة أقيمـت المجـازر وحمـات التصفيـة
ضــد كل مــن تجــرأ علــى الطعــن فــي أحاديــة الارتبـاط بيـن الحقيقـة وبيـن الأسـطورة وقـال بالعقـل والبرهـان طريقـا شـرعيا للمعرفـة ..اوحتــى هاجســته نفســه األمــارة بالســوء علــى الجهـر بـرأي سياسـي أو معرفـي مخالـف لمـا رآه أعضــاء حــزب المنتفعيــن الملتفيــن حــول
قصعــة الحاكــم بامــره عبــر كل العصــور ..
التوظيــف السياســي – الســلطوي تحديــدا – للديـن والفكـر الدينـي لـم ينقطـع علـى إمتـداد
عمـر الدولـة الاسـلامية منـذ السـقيفة وحتـى ســقوط خلافــة عبــد المجيــد الثاني..لكنــه
عـاد بقـوة مـع تدفـق ينابيـع الزيـت االسـود فـي صحـراء نجـد و الحجـاز وبـزوغ نجـم الممالـك
والمشــيخات القبليــة المتحالفــة مــع الكهنــة الجـدد..
مايجعلنــا نركــن إلــى شــيء مــن الطمأنينــة الحــذرة ، أن أممــا كثيــرة غيرنــا أنجــزت
مهمــة تصحيــح المســار بعــد ان أوغلــت فــيالتيـه قرونـا ..وأن الأمـر برمتـه لا يحتـاج إلـى
اكثـر مـن شـرارة عقـل واحـدة لتندلـع إمكانيـة التغييــر.